جزء الخامس والعشرون سورة الشورى (1)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿ حم * عسق* كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ* تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ * وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ * وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ﴾سورة الشورى (1ـ 8)
1) مسائل العقيدة في الآيات:
* أوحى الله تعالى هذا القرآن إلى النبي ﷺ.
في قوله تعالى ﴿ حم * عسق * كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ سورة الشورى (1ـ 3)
* قال الشيخ عبدالرحمن السعدي:
يخبر تعالى أنه أوحى هذا القرآن العظيم إلى النبي الكريم ﷺ، كما أوحى إلى من قبله من الأنبياء والمرسلين، ففيه بيان فضله، بإنزال الكتب، وإرسال الرسل، سابقا ولاحقا.( تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان الشيخ عبدالرحمن السعدي صـ698)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
ـ قوله تعالى ﴿ حم * عسق﴾
ـ من حيث المعنى الذاتي لها، هذه الحروف ليس لها معنى باللسان العربي.
ـ من حيث المغزى, فلها مغزى عظيم كبير.
وهو أن هذا القرآن الذي أعجز العرب مع بلاغتهم وفصاحتهم لم يأت بشيء جديد من حروف لم يعرفونها، بل هو بالحروف التي يعرفونها، ومع ذلك عجزوا أن يأتوا بمثله.
ـ قوله تعالى ﴿ ذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ﴾
الوحي في اللغة: الإعلام بسرعة وخفاء, ويطلق على الإلهام.
في الاصطلاح: فالوحي إعلام الله بالشرع لأنبيائه ورسله.
ـ قوله تعالى﴿ إِلَيْكَ﴾ إلى رسوله محمد ﷺ.
ـ قوله تعالى﴿ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ المراد به الأنبياء والرسل.
ـ قوله تعالى﴿ اللَّهُ الْعَزِيزُ ﴾ الغالب القاهر لمن سواه عز وجل.
ـ قوله تعالى ﴿الْحَكِيمُ﴾ حكيم في صنعه ,وفي خلقه, وفي شرعه.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 9/ 429ـ430)
* قال ابن كثير :
عَنْ عائشة رضي الله عنها قالت: أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ:
يَا رَسُولَ الله كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيَفْصِمُ عني وقد وَعَيْتُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَأْتِينِي الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ»
قَالَتْ عائشة رضي الله عنها فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جبينه ﷺ لِيَتَفَصَّدُ عَرَقًا "«أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ (أخرجه البخاري في بدء الوحي باب 2، والترمذي في المناقب باب 7، والنسائي في الافتتاح باب 37، ومالك في القرآن حديث 7، وأحمد في المسند 6/ 257.(تفسير ابن كثير 4/ 133)
* جميع الخلائق تحت ملك الله وتدبيره:
في قوله تعالى ﴿ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ سورة الشورى (4)
* قال الشيخ عبدالرحمن السعدي:
أن جميع العالم العلوي والسفلي ملكه وتحت تدبيره القدري والشرعي. ( تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان الشيخ عبدالرحمن السعدي صـ698)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
ـ قوله تعالى ﴿ لَهُ﴾ الضمير يعود على الله عز وجل.
ـ قوله تعالى ﴿مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ﴾ أن ما في السموات والأرض متذلل لله تعالى .
ـ قوله تعالى ﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ ﴾ إن الله عال بذاته فوق كل شيء وعلوه لازم لذاته وهذا مذهب أهل الحق:
ـ كقوله تعالى (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) سورة الأعلى:1)
ـ النبي ﷺ يقول: في سجوده (سبحان ربي الأعلى ) رواه مسلم (772)
ـ حديث (سأل الجارية أين الله؟ قالت في السماء ,فأقرها ﷺ)( رواه مسلم (537)
ـ أجمع السلف: أن الله تعالى فوق كل شيء إجماعاً قطعياً .
ـ قوله تعالى ﴿الْعَظِيمُ﴾ قوة السلطان وقوة العلم . .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 9/432ـ 434ـ 436)
* بيان عظمة الله تعالى :
في قوله تعالى ﴿ تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾سورة الشورى (5)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى ﴿ تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ﴾ تنشق كل واحدة فوق التي تليها من عظمة الله, فالسماوات على عظمها وقوتها تكاد تنفطر من عظمة الله جل وعلا .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 9/438)
* قال الشيخ عبدالرحمن السعدي:
ـ قوله تعالى ﴿ والْمَلَائِكَةِ ﴾ الكرام المقربون خاضعون لعظمته، مستكينون لعزته، مذعنون بربوبيته.
ـ قوله تعالى ﴿ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ﴾ ويعظمونه عن كل نقص، ويصفونه بكل كمال.
ـ قوله تعالى ﴿ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ ﴾ عما يصدر منهم، مما لا يليق بعظمة ربهم وكبريائه.
ـ قوله تعالى ﴿ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ الذي لولا مغفرته ورحمته، لعاجل الخلق بالعقوبة المستأصلة. ( تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان الشيخ عبدالرحمن السعدي صـ698ـ 699)
* الولاية لله عز وجل .
في قوله تعالى ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ﴾سورة الشورى (6)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا ﴾ الأعراب اتخذوا الأصنام أولياء.
ـ قوله تعالى ﴿ أَوْلِياءَ﴾ جمع ولي
أي: أنهم يتولون هذه الأصنام , يعبدونها ,ويذبحون لها ,وينذرون لها.
ـ قوله تعالى ﴿ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ ﴾ حافظ أعمالهم رقيب عليهم لا يفوته شيء من أعمالهم .
ـ قوله تعالى ﴿وَما أَنْتَ﴾ المخاطب الرسول ﷺ.
ـ قوله تعالى ﴿ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾ بحفيظ.
فلست عليهم بحفيظ ,إن عليك إلا البلاغ أما أن يهدي أحد أو يحصي أعمال أحد فهذا ليس إليك إنما هو الله عز وجل .( (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 9/444)
* منَة الله تعالى على عباده:
في قوله تعالى ﴿ وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ * وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ﴾سورة الشورى (7ـ8)
* قال الشيخ عبدالرحمن السعدي:
ذكر منته على رسوله وعلى الناس، حيث أنزل الله { قُرْآنًا عَرَبِيًّا } بين الألفاظ والمعاني . ( تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان الشيخ عبدالرحمن السعدي صـ699)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
ـ قوله تعالى ﴿ وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ﴾ الخطاب للرسول ﷺ عن طريق جبريل عليه السلام.
ـ قوله تعالى ﴿ قُرْآناً ﴾ قرآنا بمعنى مقروءا أو بمعنى قارئ
قارئ بمعنى جامع لأن القرآن جامع لكل علم نافع وعمل صالح .
ـ قوله تعالى ﴿ عَرَبِيًّا﴾ بلسان العرب.
ـ قوله تعالى ﴿ لِتُنْذِرَ ﴾لتخوف
ـ قوله تعالى ﴿ أُمَّ الْقُرَى ﴾ وهي مكة المكرمة وسميت بذلك لأنها جامعة للقرى لأن جميع القرى تأوي إليها.
ـ قوله تعالى ﴿ وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ سائر الناس لأن رسالة النبي ﷺ بلغت جميع الناس.
ـ قوله تعالى ﴿ وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ ﴾ تنذرهم اليوم الذي يجمع فيه الناس ,وذلك يوم القيامة الذي يجمع فيه الخلائق
ـ قوله تعالى ﴿ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ لاشك فيه. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 9/446ـ447ـ448)
* الشيخ عبدالرحمن السعدي :
ـ قوله تعالى ﴿ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ ﴾ وهم الذين آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين.
ـ قوله تعالى ﴿ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ وهم أصناف الكفرة المكذبين. ( تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان الشيخ عبدالرحمن السعدي صـ699)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
الجنة هي الدار التي أعدها الله للمؤمنين والمتقين ,وهي دار فيها ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
أما السعير فهي النار تسعر بها الأجساد وفيها من أنواع العذاب والنكال . (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 9/ 449)
* قال ابن كثير :
إِمَّا عَلَى الْهِدَايَةِ أَوْ عَلَى الضَّلَالَةِ وَلَكِنَّهُ تَعَالَى فَاوَتَ بَيْنَهُمْ فَهَدَى مَنْ يَشَاءُ إِلَى الْحَقِّ وَأَضَلَّ مَنْ يَشَاءُ عَنْهُ وَلَهُ الْحِكْمَةُ والحجة البالغة.(تفسير ابن كثير 4/135)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
ـ قوله تعالى ﴿ وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ﴾ يدخل من يشاء في رحمته ممن علم الله فيهم خيرا ليكون إدخاله في الرحمة على وفق الحكمة .
ـ قوله تعالى ﴿ فِي رَحْمَتِهِ ﴾هي الجنة .
للحديث القدسي للجنة (أنتِ رحمتي، أرحم بكِ مَن أشاء) رواه البخاري (4569) ومسلم (2846) من حديث أبي هريره رضي الله عنه .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 9/ 450)
* قال الشيخ عبدالرحمن السعدي:
ـ قوله تعالى ﴿ وَالظَّالِمُونَ ﴾ فإنهم محرومون من الرحمة.
ـ قوله تعالى ﴿ مَا لَهُمْ ﴾ من دون الله.
ـ قوله تعالى ﴿ مِنْ وَلِيٍّ ﴾ يتولاهم، فيحصل لهم المحبوب .
ـ قوله تعالى ﴿ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ يدفع عنهم المكروه. ( تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان الشيخ عبدالرحمن السعدي صـ699)
صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق