جزء الأحقاف سورة ق(4)
قــال تــعــالــى
﴿وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ * إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ * وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ * وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ * إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ * نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ ﴾سورة ق(36ـ 45)
1) القصص القرآنية في الآيات.
* إهلاك الأمم السابقة:
في قوله تعالى ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ * إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ سورة ق(36ـ 37)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
لما كانت قريش تكذب النبي ﷺ وتنكر البعث، حذرهم الله أن يقع بهم ما وقع بمن سبق من الأمم.
ـ قوله تعالى ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ ﴾ القرن بمعنى القرون.
ـ قوله تعالى ﴿هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً ﴾ كانوا أكثر منهم وأشد قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها.(تفسير ابن كثير 4/291)
ـ قوله تعالى ﴿ فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ ﴾ بحثوا في البلاد يريدون المفر من عذاب الله، ولكنهم لم يجدوا مفراً.
ـ قوله تعالى ﴿ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ﴾ أي لا محيص لهم.
قص الله تعالى في هذه الآيات الكريمة من إهلاك الأمم السابقة
فيه ذكرى لنوعين من الناس:
1/ قوله تعالى ﴿ لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ ﴾ من كان له لب وعقل يهتدي به بالتدبر.
2/ قوله تعالى ﴿ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ استمع إلى غيره ممن يعظه وهو حاضر القلب . (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/172ـ 173)
* قال الشيخ عبدالرحمن السعدي:
وأما المعرض، الذي لم يلق سمعه إلى الآيات، فهذا لا تفيده شيئًا، لأنه لا قبول عنده، ولا تقتضي حكمة الله هداية من هذا وصفه ونعته.(تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان الشيخ عبدالرحمن السعدي صـ 750)
2) مسائل العقيدة في الآيات:
* بيان قدرة الله تعالى في مخلوقاته الكونية:
في قوله تعالى ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ ﴾ سورة ق(38)
* قال ابن كثير :
فِيهِ تقرير للمعاد لأن من قدر على خلق السموات وَالْأَرْضِ وَلِمَ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى.(تفسير ابن كثير 4/ 291)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
ـ قوله تعالى ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما﴾ هذه ثلاثة مخلوقات عظيمة بين الله أنه خلقها في ستة أيام:
1/ فالسماوات وهي سبع سماوات طباقاً.
2/ والأرض وهي سبع أراضين.
3/ ما بين السماء والأرض، مخلوقات عظيمة.
ـ قوله تعالى ﴿ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾ أولها الأحد وآخرها الجمعة، ولو شاء عز وجل لخلقها في لحظة، لأن أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له : كن فيكون.
ـ قوله تعالى ﴿ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ ﴾ ما مسنا من تعب. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/173)
* أمر الله نبيه ﷺ بالصبر ما ينال من الأذى في الدعوة:
في قوله تعالى ﴿ فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ ﴾ سورة ق(39ـ 40)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
ـ قوله تعالى ﴿ فَاصْبِرْ ﴾ أمر الله نبيه ﷺ أن يصبر على ما يقولون.
ـ قوله تعالى ﴿ عَلى مَا يَقُولُونَ ﴾ يقولون: إن محمداً كذاب، وساحر، وشاعر، وكاهن، ومجنون, وأنه لا بعث.
والصبر على ما يقولون يتضمن شيئين:
1/ عدم التضجر مما يقول هؤلاء، وأن يتحمل ما يقوله أعداؤه فيه وفيما جاء به.
2/ أن يمضي في الدعوة إلى الله، وأن لا يتقاعس. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/174)
* قال الشيخ عبدالرحمن السعدي:
ـ قوله تعالى ﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾ من الذم لك والتكذيب بما جئت به، واشتغل عنهم بطاعة ربك وتسبيحه، أول النهار وآخره. (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان الشيخ عبدالرحمن السعدي صـ 750)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
ـ قوله تعالى ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ﴾ سبح تسبيحاً مقروناً بالحمد في هذين الوقتين:
ـ قبل طلوع الشمس , صلاة الفجر.
ـ وقبل الغروب , صلاة العصر.
ـ قال النبي صلى الله عليه وسلم:
« منْ صلَّى الْبَرْديْنِ دَخَلَ الْجنَّةَ » (أخرجه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة الفجر (574) ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما (635) .
ـ وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
« إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كما تَرَوْنَ هذا القَمَرَ، لا تُضَامُّونَ في رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ لا تُغْلَبُوا علَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِهَا » (أخرجه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة العصر (554) ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما (633) .
ـ قوله تعالى ﴿ وَمِنَ﴾ هنا للتبعيض.
ـ قوله تعالى ﴿ اللَّيْلِ﴾ جزء من الليل ويدخل في ذلك صلاة المغرب وصلاة العشاء، ويدخل في ذلك أيضاً التهجد.
ـ قوله تعالى ﴿ فَسَبِّحْهُ ﴾ سبح الله من الليل .
ـ قوله تعالى ﴿ وَأَدْبارَ السُّجُودِ ﴾ أدبار الصلوات. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/174)
في قوله تعالى ﴿وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ * إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ * نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ ﴾سورة ق(41ـ 45)
* قال الشيخ عبدالرحمن السعدي:
ـ قوله تعالى ﴿وَاسْتَمِعْ﴾ نداء المنادي وهو إسرافيل عليه السلام، حين ينفخ في الصور.
ـ قوله تعالى ﴿مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾ من الخلق.
ـ قوله تعالى ﴿يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ﴾ كل الخلائق يسمعون تلك الصيحة المزعجة المهولة .
ـ قوله تعالى ﴿بالحق﴾ الذي لا شك فيه ولا امتراء.
ـ قوله تعالى ﴿ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ﴾ من القبور. (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان الشيخ عبدالرحمن السعدي صـ 750)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى ﴿ إِنَّا ﴾ تعظيماً له
ـ قوله تعالى ﴿ نُحْيِي وَنُمِيتُ ﴾ فهو قادر على الإحياء بعد الموت، وعلى الموت بعد الإحياء.
ـ قوله تعالى ﴿ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ ﴾ أي المرجع. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/174)
* قال ابن كثير:
ـ قوله تعالى ﴿ يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ﴾ أَنَّ الله عز وجل ينزل مطرا من السماء ينبت به أجساد الخلائق كلها فِي قُبُورِهَا، كَمَا يَنْبُتُ الْحَبُّ فِي الثَّرَى بالماء، فإذا تكاملت الأجساد أمر الله تعالى إِسْرَافِيلَ فَيُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَقَدْ أُودِعَتِ الْأَرْوَاحُ فِي ثُقْبٍ فِي الصُّورِ فَإِذَا نَفَخَ إِسْرَافِيلُ فِيهِ خَرَجَتِ الْأَرْوَاحُ
فَتَرْجِعُ كُلُّ رُوحٍ إِلَى جَسَدِهَا، وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ عَنْهُمْ فَيَقُومُونَ إِلَى مَوْقِفِ الْحِسَابِ سِرَاعًا مُبَادِرِينَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.(تفسير ابن كثير 4/ 292ـ293)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى ﴿ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ﴾ سهل علينا.
ـ قوله تعالى ﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ ﴾ وهذا وعيد لهؤلاء الذين يقولون في رسول الله ﷺ ما يقولون، أخبر الله هنا أنه لا يخفى عليه حالهم، وأنه يعلم ما يقولون.
ـ قوله تعالى ﴿ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ﴾ لست عليه بذي جبروت فتجبرهم على أن يسلموا ويؤمنوا بك.
ـ قوله تعالى ﴿ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ ﴾ أي عظ بالقرآن الكريم من يخاف الوعيد، فالقرآن يذكر به جميع الناس، ولكن لا ينتفع به إلا من يخاف الله عز وجل.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/174ـ175)
تم بحمد الله تفسير سورة ق
وبهذا أنتهى تفسير (جزء الأحقاف)
نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا وأن يجعله خالصا لوجه الكريم.
وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق