جزء تبارك (سورة الملك (4)
قــال تــعــالـى
(قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ
وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ * قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ
وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ
* قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * فَلَمَّا
رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ
بِهِ تَدَّعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ
رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ * قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ
آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ
* قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ)سورة الملك (23ـ 30)
1) مسائل العقيدة في هذه الآيات.
* إفراد العبادة لله تعالى :
في قوله تعالى (قُلْ هُوَ الَّذِي
أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا
تَشْكُرُونَ * قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
* وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ
عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ)الملك (23ـ 26)
يقول الشيخ محمد العثيمين رحمه الله .
يقول الله مبيناَ أنه المعبود وحده ,وداعياَ عباده إلى شكره ,وإفراده
بالعبادة
ـ قوله تعالى (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ) أي: أوجدكم من العدم ,من غير معاون له
ولا مظاهر ,ولما أنشأكم كمل لكم الوجود بالسمع والأبصار والأفئدة ,التي هي أنفع
أعضاء البدن وأكمل القوى الجسمانية ولكنه مع هذا الإنعام
ـ قوله تعالى (قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) الله , قليل منكم الشاكر, وقليل منكم
الشكر.(التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 365)
قال ابن كثير:
قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ أي قلما تَسْتَعْمِلُونَ هَذِهِ الْقُوَى الَّتِي
أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فِي طَاعَتِهِ وَامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَتَرْكِ
زَوَاجِرِهِ
ـ قوله تعالى ( قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ)
أَيْ
بَثَّكُمْ وَنَشَرَكُمْ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَأَرْجَائِهَا مَعَ اختلاف ألسنتكم
في لغاتكم وألوانكم، وحلالكم وَأَشْكَالِكُمْ وَصُوَرِكُمْ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
أَيْ تُجْمَعُونَ بَعْدَ هَذَا التَّفَرُّقِ وَالشَّتَاتِ، يَجْمَعُكُمْ كَمَا فَرَّقَكُمْ
وَيُعِيدُكُمْ كما بدأكم.
ثم قال تعالى مُخْبِرًا عَنِ
الْكُفَّارِ الْمُنْكِرِينَ لِلْمَعَادِ الْمُسْتَبْعِدِينَ وُقُوعَهُ .
ـ قوله تعالى (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ
صادِقِينَ) أَيْ
مَتَى يَقَعُ هَذَا الَّذِي تُخْبِرُنَا بِكَوْنِهِ مِنْ الِاجْتِمَاعِ بَعْدَ هَذَا
التَّفَرُّقِ
ـ قوله تعالى (قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ
)أَيْ
لَا يَعْلَمُ وَقْتَ ذَلِكَ عَلَى التَّعْيِينِ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكِنَّهُ
أَمَرَنِي أَنْ أُخْبِرَكُمْ أَنَّ هَذَا كَائِنٌ وَوَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ فَاحْذَرُوهُ
وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ
ـ
قوله تعالى (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ )أي وَإِنَّمَا عَلَيَّ الْبَلَاغُ
وَقَدْ أَدَّيْتُهُ إِلَيْكُمْ.(تفسير ابن كثير 4/ 512)
2) الوعد والوعيد في الآيات .
* الوعيد في هذه الآيات:
في قوله تعالى (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ
كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ)الملك (27)
قال ابن كثير :
أَيْ لَمَّا قَامَتِ الْقِيَامَةُ وَشَاهَدَهَا الْكُفَّارُ وَرَأَوْا
أَنَّ الْأَمْرَ كَانَ قَرِيبًا لِأَنَّ كُلَّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ وَإِنْ طَالَ زَمَنُهُ،
فَلَمَّا وَقَعَ مَا كَذَّبُوا بِهِ سَاءَهُمْ ذَلِكَ لِمَا يَعْلَمُونَ مَا لَهُمْ
هُنَاكَ مِنَ الشَّرِّ أَيْ فَأَحَاطَ بِهِمْ ذَلِكَ وَجَاءَهُمْ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ
مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي بَالٍ وَلَا حِسَابٍ
وَلِهَذَا يُقَالُ لَهُمْ عَلَى وَجْهِ التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ
ـ (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) أَيْ تستعجلون .(تفسير ابن كثير 4/512)
3) القصص القرآنية.
* موقف الرسول عليه الصلاة والسلام مع المشركين :
في قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ
أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ * قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ
آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ
) الملك
(28ـ 29)
يقول الشيخ محمد العثيمين رحمه الله.
لما كان المكذبون للرسول عليه الصلاة والسلام الذين يردون دعوته
,ينتظرون هلاكه ,ويتربصون به ريب المنون
أمره الله أن يقول لهم
في قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ
وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ)
إن حصلت لكم أمانيكم وأهلكني الله ومن معي ,فليس ذلك بنافع لكم شيئاَ
, لأنكم كفرتم بآيات الله ,واستحققتم العذاب ,فمن يجيركم من عذاب أليم قد تحتم
وقوعه بكم ؟
فإذاَ ,تعبكم وحرصكم على هلاكي غير مفيدة ,ولا مجدِ لكم شيئاَ.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
رحمه الله 10/366)
قال ابن كثير:
ـ قوله تعالى (قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ
تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي آمنا برب العالمين الرّحمن الرّحيم
وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فِي جَمِيعِ أُمُورِنَا .
ـ قوله تعالى ( فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)
أَيْ
مِنَّا وَمِنْكُمْ وَلِمَنْ تَكُونُ الْعَاقِبَةُ فِي الدُّنْيَا والآخرة. (تفسير
ابن كثير 4/512)
* توحيد الربوبية ( تفرد الله بالنعم)
في قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ
يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ)الملك (30)
قال ابن كثير :
أَيْ ذَاهِبًا فِي الْأَرْضِ إِلَى أَسْفَلَ فَلَا يُنَالُ بالفؤوس الْحِدَادِ
وَلَا السَّوَاعِدِ الشِّدَادِ، وَالْغَائِرُ عَكْسُ النَّابِعِ
ولهذا قال تعالى (فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) أَيْ نَابِعٍ سَائِحٍ جار على وجه الأرض
أي لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَمِنْ فَضْلِهِ
وَكَرَمِهِ أَنْ أَنْبَعَ لَكُمُ الْمِيَاهَ وَأَجْرَاهَا فِي سَائِرِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ
بِحَسَبِ مَا يَحْتَاجُ الْعِبَادُ إِلَيْهِ مِنَ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، فلله الحمد
والمنة. (تفسير ابن كثير 4/512)
تم بحمد الله تفسير سورة
الملك
صل الله على نبينا محمد وعلى
اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق