تفسير جزء تبارك سورة الملك (3)
قـــولــه تـعــالى
(ءأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا
هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً
فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ * وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ
كانَ نَكِيرِ * أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ
مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ * أَمَّنْ
هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ
إِلاَّ فِي غُرُورٍ * أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ
لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ * أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ
يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) الملك (16ـ22)
1) الوعد والوعيد في الآيات .
* آيات الوعيد:
في قوله
تعالى (ءأَمِنْتُمْ
مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ *أَمْ أَمِنْتُمْ
مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ*
وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ)الملك (16ـ 18)
قال الشيخ محمد العثيمين رحمه الله.
هذا
تهديد ووعيد لمن استمر في طغيانه وتعديه ,وعصيانه الموجب للنكال وحلول العقوبة
قوله تعالى (ءأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ) وهو الله تعالى ,العالي على خلقه .
قوله تعالى (أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا
هِيَ تَمُورُ) بكم وتضطرب , حتى تتلفكم وتهلككم.
قوله تعالى (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ
أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) أي: عذاباَ من السماء يحصبكم ,وينتقم الله منكم .
قوله تعالى (فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) أي: كيف يأتيكم ما أنذرتكم به الرسل والكتب ,فلا تحسبوا أن أمنكم من
الله أن يعاقبكم بعقاب من الأرض ومن السماء ينفعكم , فستجدون عاقبة أمركم , سواء
طال عليكم الزمان أو قصر ,فإن من قبلكم, كذبوا كما كذبتم فأهلكهم الله تعالى ,فانظروا كيف إنكار الله عليهم , عاجلهم
بالعقوبة الدنيوية ,قبل عقوبة الآخرة ,فاحذروا أن يصيبكم ما أصابهم .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/364ـ365)
في قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ
صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ
بَصِيرٌ)الملك (19)
يقول الشيخ محمد العثيمين رحمه الله.
هذا عتاب وحث على النظر إلى حالة الطير التي سخرها الله, وسخر لها
الجو والهواء ,تصف فيه أجنحتها للطيران ,وتقبضها للوقوع .
ـ (مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ) فمن نظر في حالة الطير واعتبر فيها
,دلته على قدرة الباري ,وعنايته الربانية وأنه الواحد الأحد, الذي لا تنبغي
العبادة إلا له.
ـ ( إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ)
فهو
الدبر لعباده بما يليق بهم ,وتقتضيه حكمته.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
10/ 365)
* إثبات وحدانية الله تعالى :
في قوله تعالى (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ
مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ * أَمَّنْ هذَا الَّذِي
يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) الملك(20ـ 21)
قال ابن كثير:
يَقُولُ تَعَالَى لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ عبدوا معه غَيْرَهُ يَبْتَغُونَ
عِنْدَهُمْ نَصْرًا وَرِزْقًا، مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ فِيمَا اعتقدوا وَمُخْبِرًا لَهُمْ
أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لهم ما أملوه،
ـ فقال تعالى(
أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ) أَيْ لَيْسَ لَكُمْ مَنْ دُونِهِ مَنْ وَلِيٍّ
وَلَا وَاقٍ وَلَا نَاصِرَ لكم غيره، ولهذا قال تعالى( إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي
غُرُورٍ)
ـ ثُمَّ قَالَ تعالى (أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ
إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ) أَيْ مَنْ هَذَا الَّذِي إِذَا قَطَعَ اللَّهُ عنكم رزقه يَرْزُقُكُمْ
بَعْدَهُ، أَيْ لَا أَحَدَ يُعْطِي وَيَمْنَعُ وَيَخْلُقُ وَيَرْزُقُ وَيَنْصُرُ إِلَّا
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، أَيْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ
وَمَعَ هَذَا يَعْبُدُونَ غَيْرَهُ
ـ وَلِهَذَا قَالَ تعالى( بَلْ لَجُّوا) أَيِ اسْتَمَرُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ وَإِفْكِهِمْ
وضلالهم
ـ ( فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) أي في معاندة واستكبار ونفور على إدبارهم
عن الحق لَا يَسْمَعُونَ لَهُ وَلَا يَتَّبِعُونَهُ.(تفسير ابن كثير 4/511)
في قَالَ تَعَالَى: (أَفَمَنْ
يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ
)الملك
(22)
وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ
فَالْكَافِرُ مَثَلُهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ كَمَثَلِ مَنْ يَمْشِي مُكِبًّا
عَلَى وَجْهِهِ، أَيْ يَمْشِي مُنْحَنِيًا لَا مُسْتَوِيًا عَلَى وَجْهِهِ أَيْ لَا
يَدْرِي أَيْنَ يَسْلُكُ وَلَا كَيْفَ يَذْهَبُ بَلْ تَائِهٌ حَائِرٌ ضَالٌّ، أَهَذَا
أَهْدَى
أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا أَيْ مُنْتَصِبَ الْقَامَةِ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ
أَيْ عَلَى طَرِيقٍ وَاضِحٍ بَيِّنٍ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ مُسْتَقِيمٌ وَطَرِيقُهُ مُسْتَقِيمَةٌ،
هَذَا مَثَلُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ يَكُونُونَ فِي الْآخِرَةِ،
فَالْمُؤْمِنُ يُحْشَرُ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مستقيم مفض بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ
الْفَيْحَاءِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَإِنَّهُ يُحْشَرُ يَمْشِي عَلَى وَجْهِهِ إِلَى
نَارِ جَهَنَّمَ.( (تفسير ابن كثير 4/511)
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ:
حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ نُفَيْعٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ:
قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ
يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى وُجُوهِهِمْ؟ فَقَالَ: «أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُمْ عَلَى
أَرْجُلِهِمْ قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ» وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ
مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ شَيْبَانَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ بِهِ
نحوه.( المسند 3/ 167.أخرجه البخاري في تفسير سورة
25، باب 1، ومسلم في المنافقين حديث 54.)
صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق