جزء الخامس والعشرون سورة الشورى (4)
قـــال تـــعــالــى
﴿ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى
وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ
* أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى
قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ
بِذاتِ الصُّدُورِ * وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ
عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَيَسْتَجِيبُ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ
لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ * وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي
الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ
* وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ
وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾سورة الشورى (23ـ 28)
1) الوعد والوعيد في الآيات:
* الوعد في الآية:
لقوله تعالى ﴿ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ
فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ سورة الشورى :23)
* قال ابن كثير :
يَقُولُ تَعَالَى لَمَّا ذكر روضات الجنات، لِعِبَادِهِ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ ,أَيْ هَذَا حَاصِلٌ
لَهُمْ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ ببشارة الله.(تفسير ابن كثير4/140)
* قال الشيخ عبدالرحمن السعدي:
ـ قوله تعالى ﴿ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ ﴾هذه البشارة العظيمة، بشر بها الرحيم الرحمن.
ـ قوله تعالى ﴿عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ﴾ على يد أفضل خلقه لأهل الإيمان والعمل الصالح.
ـ قوله تعالى ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ على تبليغي إياكم هذا القرآن ودعوتكم إلى
أحكامه.
ـ قوله تعالى ﴿أَجْرًا﴾ فلست أريد أخذ أموالكم، ولا التولي عليكم.
ـ قوله تعالى ﴿إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ إلا مودة الله تعالى الصادقة، وهي التي
يصحبها التقرب إلى الله، والتوسل بطاعته الدالة على صحتها وصدقها.(تيسير الكريم الرحمن في تفسير
كلام المنان الشيخ عبدالرحمن السعدي
صـ703)
* قال ابن كثير :
إِلَّا أَنْ تَعْمَلُوا بِالطَّاعَةِ الَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ
زُلْفَى.
ـ قوله تعالى ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً ﴾ مَنْ يَعْمَلُ حَسَنَةً.
ـ قوله تعالى ﴿نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً ﴾ أجرا وثوابا.
ـ قوله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُور ﴾ يَغْفِرُ الْكَثِيرَ مِنَ السَّيِّئَاتِ
وَيُكَثِّرُ الْقَلِيلَ مِنَ الْحَسَنَاتِ، فَيَسْتُرُ ويغفر ويضاعف فيشكر.(تفسير ابن كثير 4/ 143)
2) مسائل العقيدة في الآيات:
* الحق ثابت لا ريب فيه.
لقوله
تعالى ﴿أَمْ
يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ
وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ
الصُّدُورِ ﴾سورة الشورى :24)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
ـ قوله تعالى ﴿أَمْ يَقُولُونَ ﴾ الكفار من مشركي قريش وغيرهم.
ـ قوله تعالى ﴿افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ﴾ اختلق على الله كذبا.
قالوا :إن القرآن ليس بكلام الله وإن محمداً كاذب وساحر وكاهن
ومجنون.
ـ قوله تعالى ﴿فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ﴾
إن
افتريت على الله كذبا ,طبع الله على قلبك .
ـ قوله تعالى ﴿وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ﴾ الذي افتريته لو قدر أنك افتريته.
ـ قوله تعالى ﴿وَيُحِقُّ الْحَقَّ﴾ يثبته.
ـ قوله تعالى ﴿بِكَلِماتِهِ﴾
المنزلة
على نبيه ﷺ.
ـ قوله تعالى﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ بما في القلوب.
المعنى : لو قدر
انك افتريت على الله كذباً فلن يتركك الله , لابد أن يبين الحق .فيختم على قلبك يطبع
عليه ثم يمحو الله الباطل ,ويحق الحق بكلماته ,إنه عليم بذات الصدور.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 9/522)
* الإسلام يهدم ما قبله.
لقوله تعالى﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا
عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾سورة الشورى :25)
* قال ابن كثير :
يَقُولُ تَعَالَى مُمْتَنًّا عَلَى عِبَادِهِ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِمْ
إِلَيْهِ إِذَا تَابُوا وَرَجَعُوا إِلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ كَرَمِهِ وَحِلْمِهِ أن يعفو
ويصفح ويستر ويغفر.(تفسير ابن كثير 4/144)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ
عِبادِهِ﴾ يقبل التوبة عن عباده مهما كان الذنب, بل التوبة كافر مقبولة ,والإسلام يهدم ما قبله مهما عظم.
ـ معنى التوبة : هي الرجوع من معصية الله إلى طاعة الله,
وتقع
كلية وجزئية:
ـ كلية: بأن يتوب
الإنسان من كل ذنب.
ـ جزئية: أن يتوب
من ذنب معين ,كإنسان تاب من أكل الربا, ولكنه مصر على شرب الخمر.
ـ شروط التوبة:
1/ الإخلاص
لله
2/ الندم
على الذنب
3/ الإقلاع
منه .
4/ العزم
على ألا يعود
5/ أن تكون
التوبة في زمن الإمكان.
ـ قوله تعالى﴿ وَيَعْفُوا ﴾هو التجاوز عن العقوبة بالذنوب.
ـ قوله تعالى﴿ عَنِ السَّيِّئاتِ ﴾ جمع سيئة وهو كل ما خالف الشرع .
ـ قوله تعالى﴿ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ علمه بما نعمل يشمل العلم بالأشياء الظاهرة والأشياء الباطنة .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 9/527ـ529)
* قال ابن كثير :
* أَنَسُ بْنُ مالك، وهو عمه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«لله تعالى أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ
عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ من أحدكم كانت رَاحِلَتُهُ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ
مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ
فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ
بِهَا قَائِمَةٌ عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ:
اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ- أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ» «أخرجه مسلم في التوبة حديث 7.(تفسير ابن كثير 4/144)
3) الوعد والوعيد في الآيات:
* الوعد في الآية
:
لقوله تعالى﴿ وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ سورة الشورى:26)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى﴿ وَيَسْتَجِيبُ﴾ معنى يجيب.
ـ قوله تعالى﴿ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ آمنوا بقلوبهم, آمنوا بكل ما يجب
الإيمان به .
ـ قوله تعالى﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحات ﴾ بجوارحهم , والإيمان والعمل الصالح يقرنا دائما فكل من آمن فسيعمل
الصالحات قطعا .
* ضابط العمل الصالح:
ـ أن يكون
خالصا لله
ـ موافقا
لشريعة الله.
ـ قوله تعالى﴿ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ يعطيهم من فضله زيادة على عملوا ,فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة
ضعف إلى أضعاف كثيرة .(التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 9/531ـ 533)
* الوعيد في الآية
لقوله تعالى﴿ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ﴾ سورة الشورى :26
* قال الشيخ عبدالرحمن السعدي:
ـ قوله تعالى﴿ وَالْكافِرُونَ﴾ غير المستجيبين للّه وهم المعاندون الذين
كفروا به وبرسله.
ـ قوله تعالى ﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ في الدنيا والآخرة. (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان الشيخ عبدالرحمن السعدي صـ704)
4) المسائل العقيدة في الآيات:
* الأرزاق بيد الله تعالى :
لقوله تعالى﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي
الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ
﴾سورة الشورى :27
* قال ابن كثير :
وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ
أَيْ لَوْ أَعْطَاهُمْ فَوْقَ حَاجَتِهِمْ مِنَ الرِّزْقِ لَحَمَلَهُمْ ذَلِكَ عَلَى
الْبَغْيِ وَالطُّغْيَانِ مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ أَشَرًا وَبَطَرًا.(تفسير ابن كثير 4/ 145)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ
﴾ لو
وسع الله الرزق للعباد لبغوا في الأرض.
ـ قوله تعالى﴿ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ ﴾ طغوا فيها , ينشأ عن البسط البغي
والطغيان والاستكبار عن العبادة والتكذيب بالحق .
ـ كقوله تعالى (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى *
أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ [العلق ٦، ٧].
ـ حديث أبو سعيد الخدري رضي الله عنه:
(أنَّ النبيَّ ﷺ جَلَسَ ذَاتَ يَومٍ علَى المِنْبَرِ وجَلَسْنَا
حَوْلَهُ، فَقَالَ: إنِّي ممَّا أخَافُ علَيْكُم مِن بَعْدِي، ما يُفْتَحُ علَيْكُم
مِن زَهْرَةِ الدُّنْيَا وزِينَتِهَا). صحيح
البخاري الرقم: 1465
ـ قوله تعالى﴿ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشاءُ﴾
هذه
المشيئة مقرونة بالحكمة
ـ من اقتضت حكمة الله أن يغنيه أغناه.
ـ من اقتضت حكمة الله أن يفقره أفقره.
وكم إنسان رجع إلى الله بسبب المصائب من فقر أو موت قريب وما أشبه
ذلك.
ـ قوله تعالى﴿ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ﴾ أن بسط الرزق وعدمه ناشئ عن علم وخبرة
.(التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 9/ 535ـ 537)
* قال الشيخ عبدالرحمن السعدي:
ـ قوله تعالى ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾ المطر الغزير الذي به يغيث البلاد والعباد.
ـ قوله تعالى ﴿مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا﴾ انقطع عنهم مدة ظنوا أنه لا يأتيهم، وأيسوا
.
ـ قوله تعالى ﴿وَيَنْشُرُ﴾ به .
ـ قوله تعالى ﴿رَحْمَتَهُ﴾ من إخراج الأقوات للآدميين وبهائمهم، فيقع
عندهم موقعا عظيما، ويستبشرون بذلك ويفرحون. (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان الشيخ عبدالرحمن السعدي صـ704ـ705)
* قال ابن كثير :
ـ قوله تعالى ﴿وَهُوَ الْوَلِيُّ﴾ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ لِخَلْقِهِ بِمَا يَنْفَعُهُمْ
فِي دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ.
ـ قوله تعالى ﴿الْحَمِيدُ﴾ وَهُوَ الْمَحْمُودُ الْعَاقِبَةِ فِي جَمِيعِ
ما يقدره ويفعله.(تفسير ابن كثير4/ 145)
صل الله على نبينا محمد
وعلى اله وصحبه أجمعين