* جزء الأحقاف سورة ق(1)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَءِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ * قَدْ عَلِمْنا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ * بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ * أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ * وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ * وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) سورة ق(1ـ14)
1) المسائل العقيدة في الآيات:
* أقسم الله تعالى بالقرآن المجيد.
في قوله تعالى ﴿ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ﴾ سورة ق(1)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى ﴿ق ﴾
ـ من حيث المعنى الذاتي لها، هذه الحروف ليس لها معنى باللسان العربي.
ـ من حيث المغزى, فلها مغزى عظيم كبير.
وهو أن هذا القرآن الذي أعجز العرب مع بلاغتهم وفصاحتهم لم يأت بشيء جديد من حروف لم يعرفونها، بل هو بالحروف التي يعرفونها، ومع ذلك عجزوا أن يأتوا بمثله.
ـ قوله تعالى ﴿ وَالْقُرْآنِ ﴾ الواو حرف قسم, أقسم الله تعالى بالقرآن، لأن الله له أن يقسم بما شاء.
ـ قوله تعالى ﴿ الْمَجِيدِ ﴾ أي ذي المجد، وهو العظمة .
جواب القسم:
لا يحتاج إلى جواب القسم، لأنه من عظمة المقسم عليه، وأنه منزل من عند الله.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/156)
* الإنكار بالبعث في يوم القيامة:
في قوله تعالى (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَءِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ﴾ سورة ق(2ـ 3)
* قال ابن كثير :
ـ قوله تعالى ﴿ أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ ﴾ تَعَجَّبُوا مِنْ إِرْسَالِ رسول إليهم من البشر.
ـ قوله تعالى ﴿فَقالَ الْكافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ لَيْسَ هَذَا بِعَجِيبٍ فَإِنَّ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ.
ـ قوله تعالى ﴿ أَءِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ﴾ أَءِذا مِتْنا وَبَلِينَا وَتَقَطَّعَتِ الْأَوْصَالُ مِنَّا وَصِرْنَا تُرَابًا، كَيْفَ يُمْكِنُ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ .
ـ قوله تعالى ﴿ ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ﴾ بَعِيدُ الْوُقُوعِ. وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ اسْتِحَالَتَهُ وَعَدَمَ إِمْكَانِهِ.(تفسير ابن كثير 4/281)
* بيان قدرة الله في مخلوقاته الكونية:
في قوله تعالى ﴿ قَدْ عَلِمْنا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ * بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ * أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾ سورة ق(4ـ 8)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
ـ قوله تعالى ﴿ قَدْ عَلِمْنا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ ﴾ يعلم ما تنقص الأرض من أجزاء بدن الإنسان إذا مات ذرة بعد ذرة ,إذا أكلته الأرض فإنه يبقى عجب الذنب هو الجزء اليسير من العظم بأسفل الظهر.
أما الأنبياء فإن الأرض لا تأكلهم مهما داموا في قبورهم .
ـ قوله تعالى ﴿ أَفَلَمْ ﴾ والاستفهام هنا للتوبيخ،
ـ قوله تعالى ﴿ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ﴾ يشمل نظر البصر، ونظر البصيرة
ـ نظر البصر يكون بالعين.
ـ نظر البصيرة يكون بالقلب، أي: التفكر.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/157ـ 158)
* قال ابن كثير :
ـ قوله تعالى ﴿ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها ﴾ بِالْمَصَابِيحِ.
ـ قوله تعالى ﴿ وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ ﴾
ـ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي مِنْ شقوق
الحديث الصحيح:
(خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء، وعلامات يُهتدى بها، ورجوماً للشياطين، فمن ابتغى فيها شيئاً سوى ذلك فقد أضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به» (أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم كتاب بدء الخلق، باب في النجوم.
ـ قوله تعالى ﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْناها ﴾ وَسِعْنَاهَا وَفَرَشْنَاهَا.
ـ قوله تعالى ﴿ وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ ﴾ وَهِيَ الْجِبَالُ لِئَلَّا تَمِيدَ بِأَهْلِهَا وَتَضْطَرِبَ.
ـ قوله تعالى ﴿ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ ﴾ مِنْ جَمِيعِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَالنَّبَاتِ وَالْأَنْوَاعِ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
ـ قوله تعالى ﴿ بَهِيجٍ ﴾ أَيْ حَسَنٍ نَضِرٍ.
ـ قوله تعالى ﴿ تَبْصِرَةً وَذِكْرى ﴾ تَبْصِرَةٌ وَدَلَالَةٌ وَذِكْرى.
ـ قوله تعالى ﴿ لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ﴾ خَاضِعٍ خَائِفٍ وَجِلٍ رَجَّاعٍ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.(تفسير ابن كثير 4/282)
2) الأمثال القرآنية:
* شبه الله إحياء الأرض بإحياء الموتى في يوم المعاد:
في قوله تعالى ﴿ وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ﴾ سورة ق(9ـ 11)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
تجد الأرض هامدة ليس فيها نبات، فإذا أنزل الله المطر عجت بالنبات واخضرت ، فهذه حياة بعد الموت .
مثل ذلك الإحياء خروج الناس من قبورهم لله عز وجل.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 160ـ161)
* قال ابن كثير
ـ قوله تعالى ﴿ وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً مُبارَكاً﴾ نَافِعًا.
ـ قوله تعالى ﴿ فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ﴾ حَدَائِقَ مِنْ بَسَاتِينَ وَنَحْوِهَا.
ـ قوله تعالى ﴿ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ﴾ وَهُوَ الزَّرْعُ الَّذِي يُرَادُ لِحَبِّهِ وَادِّخَارِهِ .
ـ قوله تعالى ﴿ وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ ﴾ أَيْ طِوَالًا شَاهِقَاتٍ.
ـ قوله تعالى ﴿ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ ﴾ مَنْضُودٌ.
ـ قوله تعالى ﴿ رِزْقاً لِلْعِبادِ ﴾ لِلْخَلْقِ.
ـ قوله تعالى ﴿ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً ﴾ وَهِيَ الْأَرْضُ الَّتِي كَانَتْ هَامِدَةً، فَلَمَّا نَزَلَ الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بَهِيجٍ .
فَهَذَا مِثَالٌ لِلْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْهَلَاكِ، كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى.(تفسير ابن كثير 4/ 282)
3) القصص القرآنية :
* تكذيب الأقوام السابقة لرسلهم عليهم السلام:
في قوله تعالى ﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ * وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ﴾ سورة ق(12ـ14)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
ذكر الله هؤلاء المكذبين لفائدتين:
الفائدة الأولى: تسلية الرسول ﷺ بأنه ليس أول رسول كُذًب، بل قد كُذِّبت الرسل من قبل.
الفائدة الثانية: التحذير لمكذبي الرسول ﷺ ،فحق عليهم وعيد الله بالعذاب.
ـ قوله تعالى ﴿ قَوْمُ نُوحٍ ﴾ وقد لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، يعني تسعمائة وخمسين سنة، وهو يدعوهم إلى الله - ولكن لم يستفيدوا من ذلك شيئاً.
ـ قوله تعالى ﴿ وَأَصْحابُ الرَّسِّ ﴾قوم جاءهم نبيهم
ـ قيل: قتلوه بالرس، وهو البئر، أي حفروا بئراً ودفنوه.
ـ قيل: أنهم حول ماءٍ وليسوا بالكثرة الكافية، ومع هذا كذبوا رسولهم.
ـ قوله تعالى ﴿ وَثَمُودُ ﴾ وهم قوم صالح فأرسل الله عليهم صيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين.
ـ قوله تعالى ﴿ وَعادٌ ﴾ عاد أرسل الله إليهم هوداً فكذبوه فأهلكهم الله بالريح العقيم.
ـ قوله تعالى ﴿ وَفِرْعَوْنُ ﴾الذي أرسل الله إليه نبيه موسى عليه السلام، وفرعون كان معروفاً بالجبروت والعناد والاستكبار، فجاءهم موسى عليه الصلاة والسلام بالآيات البينات، لكنهم كذبوا.
ـ قوله تعالى ﴿ وَإِخْوانُ لُوطٍ ﴾ إخوان لوط يعني قوم لوط، أرسل إليهم لوط عليه الصلاة والسلام، لأنهم كانوا يأتون الذكران، ويدعون النساء دعاهم إلى الله وأنذرهم وخوَّفهم من هذا الفعل الرذيل، ولكنهم أصروا عليه .
ـ قوله تعالى ﴿وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ﴾ يعني الشجرة، أرسل الله تعالى إليهم شعيباً فدعاهم إلى الله ، وحذَّرهم من بخس المكيال والميزان، ولكنهم بقوا على كفرهم وعنادهم .
ـ قوله تعالى ﴿ وَقَوْمُ تُبَّعٍ ﴾ وهو ملك من ملوك اليمن أرسل الله إليهم رسولاً فكذبوه ولم ينقادوا له.
ـ قوله تعالى ﴿ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ﴾ أن هؤلاء الأمم الذين أشار الله تعالى إلى قصصهم كلهم كذبوا الرسل، فحق عليهم وعد الله بعذابه وانتقامه.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/161ـ162ـ163)
صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق