جزء الأحقاف سورة محمد (4)
قــال تــعــالـى
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ * فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ * إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ * إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ * هَا أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ)سورة محمد (32ـ 38)
1) الوعد والوعيد في الآيات :
* الوعيد في الآية:
في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ)سورة محمد (32)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
هذا وعيد شديد لمن جمع أنواع الشر كلها، من الكفر بالله، وصد الخلق عن سبيل الله الذي نصبه موصلا إليه.
ـ قوله تعالى (وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى) عاندوه وخالفوه عن عمد وعناد، لا عن جهل وغي وضلال.
ـ قوله تعالى (لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا) فلا ينقص به ملكه.
ـ قوله تعالى (وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ) أي: مساعيهم التي بذلوها في نصر الباطل، بأن لا تثمر لهم إلا الخيبة والخسران.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/110)
2) الأحكام الشرعية في الآيات .
* الأمر بالطاعة في امتثال الأوامر، واجتناب النواهي:
في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ)سورة محمد (33)
* قال ابن كثير:
أمر تبارك وتعالى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ الَّتِي هِيَ سَعَادَتُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَنَهَاهُمْ عَنِ الِارْتِدَادِ الذي هو مبطل للأعمال.(تفسير ابن كثير 4/229)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
ـ قوله تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) يأمر تعالى المؤمنين بأمر به تتم أمورهم، وتحصل سعادتهم الدينية والدنيوية.
ـ قوله تعالى (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ )طاعته وطاعة رسوله في أصول الدين وفروعه
الطاعة : هي امتثال الأمر، واجتناب النهي على الوجه المأمور به بالإخلاص وتمام المتابعة.
ـ قوله تعالى (وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ)
ـ يشمل النهي عن إبطالها بعد عملها، بما يفسدها، من إعجاب، وفخر وسمعة.
ـ يشمل النهي العمل بالمعاصي التي تضمحل معها الأعمال، ويحبط أجرها.
ـ يشمل النهي عن إفسادها حال وقوعها بقطعها، أو الإتيان بمفسد من مفسداتها.
فمبطلات الصلاة والصيام والحج ونحوها، كلها داخلة في هذا، ومنهي عنها.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/110)
3) القواعد الفقهية في الآيات.
*قاعدة (تقييد المطلق) في الآية:
في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ)سورة محمد (34)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
هذه الآية والتي في سورة البقرة
قوله تعالى ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ سورة البقرة (217)
مقيدتان، لكل نص مطلق، فيه إحباط العمل بالكفر، فإنه مقيد بالموت عليه.
ـ قوله تعالى(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
ـ قوله تعالى (وَصَدُّوا) الخلق .
ـ قوله تعالى (عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) بتزهيدهم إياهم بالحق، ودعوتهم إلى الباطل، وتزيينه.
ـ قوله تعالى (ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ) لم يتوبوا منه.
ـ قوله تعالى (فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) لا بشفاعة ولا بغيرها، لأنه قد تحتم عليهم العقاب، وفاتهم الثواب، ووجب عليهم الخلود في النار، وسدت عليهم رحمة الرحيم الغفار.
ومفهوم الآية الكريمة:
أنهم إن تابوا من ذلك قبل موتهم، فإن الله يغفر لهم ويرحمهم، ويدخلهم الجنة، ولو كانوا مفنين أعمارهم في الكفر به والصد عن سبيله، والإقدام على معاصيه، فسبحان من فتح لعباده أبواب الرحمة، ما دام حيا متمكنا من التوبة.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/110)
4) الأحكام الشرعية في الآيات.
* الأمر بالصبر والثبات عند القتال:
في قوله تعالى (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ )سورة محمد(35)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
لا تضعفوا عن قتال عدوكم، ويستولي عليكم الخوف، بل اصبروا واثبتوا، ووطنوا أنفسكم على القتال والجلاد، طلبا لمرضاة ربكم، ونصحا للإسلام، وإغضابا للشيطان. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/111)
* قال ابن كثير :
ـ قوله تعالى(فَلا تَهِنُوا) لَا تَضْعُفُوا عَنِ الْأَعْدَاءِ.
ـ قوله تعالى(وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) الْمُهَادَنَةِ وَالْمُسَالَمَةِ وَوَضْعِ الْقِتَالِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ فِي حال قوتكم وكثرة عددكم.
ـ قوله تعالى(وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) أَيْ فِي حَالِ عُلُوِّكُمْ عَلَى عَدُّوِكُمْ.
وإذا رَأَى الإمام في المهادنة، والمعاهدة مَصْلَحَةً فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ
كَمَا فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين صَدَّهُ كُفَّارُ قُرَيْشٍ عَنْ مَكَّةَ وَدَعَوْهُ إِلَى الصُّلْحِ، وَوَضْعِ الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ عَشْرَ سِنِينَ فأجابهم صلى الله عليه وسلم إلى ذلك.
ـ قوله تعالى(وَاللَّهُ مَعَكُمْ ) فِيهِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ بِالنَّصْرِ وَالظَّفَرِ عَلَى الْأَعْدَاءِ .
ـ قوله تعالى(وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) وَلَنْ يُحْبِطَهَا وَيُبْطِلَهَا بَلْ يُوَفِّيكُمْ ثَوَابَهَا ولا ينقصكم منها شيئا.(تفسير ابن كثير 4/229)
5) الفوائد المستنبطة من الآيات.
* بيان حقيقة الدنيا والتزهيد فيها:
في قوله تعالى (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ )سورة محمد(36)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
ـ قوله تعالى (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا)هذا تزهيد منه لعباده في الحياة الدنيا بإخبارهم عن حقيقة أمرها.
ـ قوله تعالى (لَعِبٌ وَلَهْوٌ ) لعب في الأبدان ولهو في القلوب .
ـ قوله تعالى (وَإِنْ تُؤْمِنُوا) بأن تؤمنوا بالله، وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
ـ قوله تعالى (وَتَتَّقُوا) وتقوموا بتقواه التي هي من لوازم الإيمان ومقتضياته، وهي العمل بمرضاته على الدوام، مع ترك معاصيه.
ـ قوله تعالى(يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ ) ليثيبهم الثواب الجزيل.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/111)
6) الأحكام الشرعية في الآيات.
* النهي عن البخل و امتثالا وامر الله تعالى في الآيات:
في قوله تعالى (وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ * إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ * هَا أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ)سورة محمد (37ـ38)
* قال ابن كثير :
ـ قوله تعالى (وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) أَيْ هُوَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ لَا يَطْلُبُ مِنْكُمْ شَيْئًا
وَإِنَّمَا فَرَضَ عَلَيْكُمُ الصَّدَقَاتِ مِنَ الْأَمْوَالِ مُوَاسَاةً لِإِخْوَانِكُمْ الْفُقَرَاءِ، لِيَعُودَ نَفْعُ ذَلِكَ عليكم ويرجع ثوابه إليكم .
ـ قوله تعالى (إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا) أَيْ يُحْرِجُكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ.
* قال قتادة: قد علم الله تعالى أَنَّ فِي إِخْرَاجِ الْأَمْوَالِ إِخْرَاجُ الْأَضْغَانِ.
فَإِنَّ الْمَالَ مَحْبُوبٌ وَلَا يُصْرَفُ إِلَّا فِيمَا هُوَ أَحَبُّ إِلَى الشَّخْصِ مِنْهُ.
ـ قوله تعالى (هَا أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ) أَيْ لَا يُجِيبُ إِلَى ذَلِكَ.
ـ قوله تعالى (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) إِنَّمَا نَقَصَ نَفْسَهُ مِنَ الْأَجْرِ وَإِنَّمَا يَعُودُ وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ .
ـ قوله تعالى (وَاللَّهُ الْغَنِيُّ) عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ وَكُلُّ شَيْءٍ فَقِيرٌ إليه دائما. فَوَصْفُهُ بِالْغِنَى وَصْفٌ لَازِمٌ لَهُ .
ـ قوله تعالى (وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) وَصْفُ الْخَلْقِ بِالْفَقْرِ وَصْفٌ لازم لهم لا ينفكون عنه.
ـ قوله تعالى (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) عَنْ طَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ شَرْعِهِ.
ـ قوله تعالى (يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) وَلَكِنْ يَكُونُونَ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ لَهُ وَلِأَوَامِرِهِ.(تفسير ابن كثير 4/230)
تم بحمد الله تفسير سورة محمد (سورة القتال )
صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق