الجمعة، 12 مارس 2021


جزء الأحقاف سورة محمد (3)

قــال تــعـالـى

(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ * طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ * فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ * أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ * أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها * إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ * ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ * ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ * وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) سورة محمد (20ـ 31)

                                                      

1) الأحكام الشرعية في الآيات.

    * شرعية الجهاد في الآية :

في قوله تعالى (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ * طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ * فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ* أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ)سورة محمد (20ـ 23)

 * قال ابن كثير :

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ تَمَنَّوْا شَرْعِيَّةَ الْجِهَادِ

 ـ قوله تعالى (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ  ) مُشْتَمِلَةٌ عَلَى حُكْمِ الْقِتَالِ.

ـ قوله تعالى (رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) أَيْ مِنْ فَزَعِهِمْ وَرُعْبِهِمْ وَجُبْنِهِمْ مِنْ لِقَاءِ الْأَعْدَاءِ.

ـ قوله تعالى (فَأَوْلى لَهُمْ طاعَةٌ ) وَكَانَ الْأَوْلَى بِهِمْ.

ـ قوله تعالى (وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) أَنْ يَسْمَعُوا وَيُطِيعُوا .

ـ قوله تعالى (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ) جَدَّ الْحَالُ.

ـ قوله تعالى (وَحَضَرَ الْقِتَالُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ ) أي خلصوا له النية لَكانَ خَيْراً لَهُمْ.

ـ قوله تعالى (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) أَيْ عَنِ الْجِهَادِ وَنَكَلْتُمْ عَنْهُ.

 ـ قوله تعالى (أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) أَيْ تَعُودُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ الْجَهْلَاءِ تَسْفِكُونَ الدِّمَاءَ وَتُقَطِّعُونَ الْأَرْحَامَ.(تفسير ابن كثير 4/225ـ 226)

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 «إِنَّ الرَّحِمَ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ وَلَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ « كتاب الأدب باب 15، وأخرجه أيضا أبو داود في الزكاة باب 45، والترمذي في البر باب 10.

* قال الشيخ محمد العثيمين:

ـ قوله تعالى (أُولَئِكَ الَّذِينَ) أفسدوا في الأرض، وقطعوا أرحامهم .

ـ قوله تعالى (لَعَنَهُمُ اللَّهُ) بأن أبعدهم عن رحمته، وقربوا من سخط الله.

ـ قوله تعالى (فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) أي: جعلهم لا يسمعون ما ينفعهم ولا يبصرونه.

ـ فلهم آذان، ولكن لا تسمع سماع إذعان وقبول

ـ ولهم أعين، ولكن لا يبصرون بها العبر والآيات.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 108)

                             


  * الأمر بتدبر القرآن الكريم:

في قوله تعالى (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها)سورة محمد (24)

* قال ابن كثير :

يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا بِتَدَبُّرِ الْقُرْآنِ وَتَفَهُّمِهِ وَنَاهِيًا عَنِ الْإِعْرَاضِ عَنْهُ.(تفسير ابن كثير 4/ 227)

* قال الشيخ محمد العثيمين :

ـ قوله تعالى (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ) فهلا يتدبر هؤلاء المعرضون لكتاب الله، ويتأملونه حق التأمل، فإنهم لو تدبروه، لدلهم على كل خير، ولحذرهم من كل شر.

ـ قوله تعالى (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) قد أغلق على ما فيها من الشر وأقفلت، فلا يدخلها خير أبدا؟ هذا هو الواقع.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/108)

                             

2) مسائل العقيدة في الآيات:

    * حال المرتد عن دين الله.

في قوله (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ * ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ) سورة محمد (25ـ 26)

* قال الشيخ محمد العثيمين:

يخبر تعالى عن حالة المرتدين عن الهدى والإيمان على أعقابهم إلى الضلال والكفران، ذلك لا عن دليل دلهم ولا برهان, وإنما هو تسويل من عدوهم الشيطان وتزيين لهم.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 109)

* قال ابن كثير:

ـ قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ) فَارَقُوا الْإِيمَانَ وَرَجَعُوا إِلَى الْكُفْرِ.

ـ قوله تعالى (مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ) زَيَّنَ لَهُمْ ذَلِكَ وَحَسَّنَهُ .

ـ قوله تعالى (وَأَمْلى لَهُمْ) غَرَّهُمْ وَخَدَعَهُمْ.

ـ قوله تعالى (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) أي مالؤوهم وَنَاصَحُوهُمْ فِي الْبَاطِنِ عَلَى الْبَاطِلِ وَهَذَا شَأْنُ الْمُنَافِقِينَ يُظْهِرُونَ خِلَافَ مَا يُبْطِنُونَ.

ـ قوله تعالى (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ) أَيْ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُخْفُونَ، اللَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ وعالم به.(تفسير ابن كثير 4/227ـ228)

                            

* حال المرتد وقت الاحتضار:

(فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ * ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) سورة محمد (27ـ 28)

* قال الشيخ محمد العثيمين:

ـ قوله تعالى (فَكَيْفَ) ترى حالهم الشنيعة، ورؤيتهم الفظيعة .

ـ قوله تعالى (إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَة) الموكلون بقبض أرواحهم.

ـ قوله تعالى (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ) بالمقامع الشديدة؟!.

ـ قوله تعالى (ذَلِكَ) العذاب الذي استحقوه ونالوه.

ـ قوله تعالى (بـ) سبب.

ـ قوله تعالى (أنهم اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ) من كل كفر وفسوق وعصيان.

ـ قوله تعالى (وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ) فلم يكن لهم رغبة فيما يقربهم إليه، ولا يدنيهم منه.

ـ قوله تعالى (فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) أبطلها وأذهبها.

وهذا بخلاف من اتبع ما يرضي الله وكره سخطه، فإنه سيكفر عنه سيئاته، ويضاعف أجره وثوابه.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 109)

                             

* اختبار الله لعباده ليميز الصادق من الكاذب:

في قوله تعالى(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ * وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ)سورة محمد (29ـ 31)

* قال الشيخ محمد العثيمين :

ـ قوله تعالى (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) من شبهة أو شهوة، بحيث تخرج القلب عن حال صحته واعتداله.

ـ قوله تعالى (أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ )

 فإنه لا بد أن يميز الصادق من الكاذب، وذلك بالابتلاء بالمحن

ـ من ثبت عليها، ودام إيمانه فيها، فهو المؤمن حقيقة.

ـ ومن ردته على عقبيه فلم يصبر عليها، جزع وضعف إيمانه، وخرج ما في قلبه من الضغن، وتبين نفاقه.

هذا مقتضى الحكمة الإلهية.

ـ قوله تعالى(وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ) بعلاماتهم التي هي كالوسم في وجوههم.

ـ قوله تعالى (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) لا بد أن يظهر ما في قلوبهم، ويتبين بفلتات ألسنتهم، يظهر منها ما في القلوب من الخير والشر.

ـ قوله تعالى (وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) فيجازيكم عليها.

ـ قوله تعالى (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) أي: نختبر إيمانكم وصبركم.

 ـ قوله تعالى (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)

 ـ فمن امتثل أمر الله وجاهد في سبيل الله لنصر دينه وإعلاء كلمته فهو المؤمن حقا.

ـ ومن تكاسل عن ذلك، كان ذلك نقصا في إيمانه.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 109)

صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  جزء الرابع والعشرون سورة الزمر (3) قــال تـعــالـى ﴿ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَ...