الجمعة، 19 مارس 2021


جزء الأحقاف سورة الفتح (1)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً *هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً * لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً * وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً * وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) سورة الفتح (1ـ 7)

                                                      

1) أسباب النزول في الآيات.

   * نَزَلَتْ لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ:

في قوله تعالى (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً)سورة الفتح (1ـ 3)

* قال ابن كثير :

نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ الْكَرِيمَةُ لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ، مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ، حِينَ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى المسجد الحرام فيقضي عُمْرَتَهُ فِيهِ، وَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ ثُمَّ مَالُوا إِلَى الْمُصَالَحَةِ وَالْمُهَادَنَةِ، وَأَنْ يَرْجِعَ عَامَهُ هَذَا ثُمَّ يَأْتِيَ مِنْ قَابِلٍ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ عَلَى تَكَرُّهٍ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَلَمَّا نَحَرَ هَدْيَهُ حَيْثُ أُحْصِرَ وَرَجَعَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ السُّورَةَ فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِهِمْ، وَجَعَلَ ذَلِكَ الصُّلْحَ فَتْحًا بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَمَا آلَ الْأَمْرُ إِلَيْهِ.(تفسير ابن كثير 4/231)

* قال الشيخ محمد العثيمين:

صالحهم رسول الله ﷺ على وضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين، وعلى أن يعتمر من العام المقبل، وعلى أن من أراد أن يدخل في عهد قريش وحلفهم دخل، ومن أحب أن يدخل في عهد رسول الله ﷺ وعقده فعل.

وبسبب ذلك لما أمن الناس بعضهم بعضا، اتسعت دائرة الدعوة لدين الله عز وجل،  فدخل الناس في تلك المدة في دين الله أفواجا، فلذلك سماه الله فتحا، ووصفه بأنه فتح مبين أي: ظاهر جلي، وذلك لأن المقصود في فتح بلدان المشركين إعزاز دين الله، وانتصار المسلمين، وهذا حصل بذلك  الفتح.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/113)

 

                            

* ورتب الله على هذا الفتح عدة أمور:

 ـ قوله تعالى ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ وذلك بسبب ما حصل بسببه من الطاعات الكثيرة، والدخول في الدين بكثرة، وبما تحمل ﷺ من تلك الشروط التي لا يصبر عليها إلا أولو العزم من المرسلين، أن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

ـ قوله تعالى ﴿وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ﴾ بإعزاز دينك، ونصرك على أعدائك، واتساع كلمتك.

ـ قوله تعالى ﴿وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ تنال به السعادة الأبدية، والفلاح السرمدي.

ـ قوله تعالى ﴿وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا﴾ قويا يحصل الانتصار التام، وقمع الكافرين.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/113)

                               

* آثار هذا الفتح :

في قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً * لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً * وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً * وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً)سورة الفتح (4ـ 7)

* قال الشيخ محمد العثيمين :

ـ قوله تعالى ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ يخبر تعالى عن منته على المؤمنين بإنزال السكينة في قلوبهم .والثبات عند نزول المحن.

ـ قوله تعالى ﴿لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ﴾ فالصحابة رضي الله عنهم لما جرى ما جرى بين رسول الله ﷺ والمشركين، من تلك الشروط التي ظاهرها أنها غضاضة عليهم، وحط من أقدارهم، لما صبروا عليها ووطنوا أنفسهم لها، ازدادوا بذلك إيمانا مع إيمانهم. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/114)

* قال ابن كثير :

ـ قوله تعالى (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَا الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَلَى تَفَاضِلِ الْإِيمَانِ فِي الْقُلُوبِ.(تفسير ابن كثير 4/233)

                                                     


                                      

                               

* قال الشيخ محمد العثيمين :

ـ قوله تعالى ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ جميعها في ملكه، وتحت تدبيره وقهره.

ـ قوله تعالى ﴿لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ فهذا أعظم ما يحصل للمؤمنين، أن يحصل لهم المرغوب المطلوب بدخول الجنات، ويزيل عنهم المحذور بتكفير السيئات.

ـ قوله تعالى ﴿وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ فهذا ما يفعل بالمؤمنين في ذلك الفتح المبين.

ـ قوله تعالى ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ﴾ إن الله يعذبهم بذلك، ويريهم ما يسؤهم؛ حيث كان مقصودهم خذلان المؤمنين.

ـ قوله تعالى ﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ﴾ أنه لا ينصر دينه، ولا يعلي كلمته.

ـ قوله تعالى ﴿عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ ﴾ فأدار الله عليهم ظنهم، وكانت دائرة السوء عليهم في الدنيا.

ـ قوله تعالى ﴿وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ بما اقترفوه من المحادة لله ولرسوله.

ـ قوله تعالى ﴿وَلَعَنَهُمْ﴾ أي: أبعدهم وأقصاهم عن رحمته ﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾

ـ قوله تعالى ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ الإخبار بأن له ملك السماوات والأرض وما فيهما من الجنود، ليعلم العباد أنه تعالى هو المعز المذل، وأنه سينصر جنوده .

ـ قوله تعالى ﴿وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ﴾ قويا غالبا، قاهرا لكل شيء، ومع عزته وقوته فهو حكيم في خلقه وتدبيره.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/114)

                            


  2) مسائل العقيدة في الآيات :

 * أرسل الله رسوله مبشراً ونذيرا:

في قوله تعالى(إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) سورة الفتح (8ـ9)

* قال ابن كثير :

يَقُولُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم, إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً  عَلَى الْخَلْقِ وَمُبَشِّراً  لِلْمُؤْمِنِينَ وَنَذِيراً  لِلْكَافِرِينَ.(تفسير ابن كثير 4/234)

* قال الشيخ محمد العثيمين :

ـ قوله تعالى ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ﴾ أيها الرسول الكريم.

ـ قوله تعالى ﴿شَاهِدًا﴾

ـ شاهدا لأمتك بما فعلوه من خير وشر.

ـ وشاهدا على المقالات والمسائل، حقها وباطلها.

ـ وشاهدا لله تعالى بالوحدانية والانفراد بالكمال من كل وجه.

ـ قوله تعالى ﴿وَمُبَشِّرًا﴾ من أطاعك وأطاع الله بالثواب الدنيوي و الأخروي.

 ـ قوله تعالى ﴿وَنَذِيراً ﴾ومنذرا من عصى الله بالعقاب العاجل والآجل.

ـ قوله تعالى ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ أرسلناه لتقوموا بالإيمان بالله ورسوله، المستلزم ذلك لطاعتهما في جميع الأمور.

ـ قوله تعالى ﴿وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾ تعظموه وتجلوه، وتقوموا بحقوقه.

ـ قوله تعالى ﴿وَتُسَبِّحُوهُ﴾ تسبحوا لله.

ـ قوله تعالى ﴿بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ أول النهار وآخره.

 فذكر الله في هذه الآية الحق المشترك بين الله وبين رسوله، وهو الإيمان بهما، والمختص بالرسول، وهو التعزير والتوقير.

والمختص بالله، وهو التسبيح له والتقديس.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 114ـ115)

 

صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  جزء الرابع والعشرون سورة الزمر (3) قــال تـعــالـى ﴿ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَ...