جزء الأحقاف سورة الفتح (3)
قــال تــعــالـى
(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) سورة الفتح(10)
(لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً * وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً)سورة الفتح (18ـ 19)
1) القصص القرآنية في الآيات :
* قصة بيعة الرضوان :
في قوله تعالى(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) سورة الفتح(10)
* وقت البيعة:
حدثت في شهر ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة.
قال ابن كثير :
خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ يُرِيدُ زِيَارَةَ الْبَيْتِ لَا يُرِيدُ قتالا.(تفسير ابن كثير4/235)
* معجزة الرسول عليه الصلاة السلام :
قال ابن كثير :
في قِصَّةَ عَطَشِهِمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ ظهرت معجزة الرسول علية الصلاة والسلام
مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ:
(كُنَّا يَوْمَئِذٍ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، وَوَضَعَ يَدَهُ في ذلك الماء فجعل الماء ينبع مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ حَتَّى رَوَوْا كُلُّهُمْ )(أخرجه البخاري في المناقب باب 25، ومسلم في الفضائل حديث 6.
وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(أَعْطَاهُمْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَوَضَعُوهُ فِي بِئْرِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَجَاشَتْ * بِالْمَاءِ حَتَّى كفتهم فقيل لجابر رضي الله عنه: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: كُنَّا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَلَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا )(جاشت: أي فارت. أخرجه البخاري في المناقب باب 25، ومسلم في الإمارة حديث 72، 73.)(تفسير ابن كثير4/235)
* سبب هذه البيعة :
* قال ابن كثير :
دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه لِيَبْعَثَهُ إِلَى مَكَّةَ، لِيُبَلِّغَ عَنْهُ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مَا جَاءَ لَهُ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَخَافُ قُرَيْشًا عَلَى نَفْسِي وَلَيْسَ بِمَكَّةَ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ مَنْ يَمْنَعُنِي, وَلَكِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى رَجُلٍ أَعَزَّ بِهَا مِنِّي عثمان بن عفان رضي الله عنه، يُخْبِرُهُمْ أنه لم يأت لحرب، وأنه إنما جَاءَ زَائِرًا لِهَذَا الْبَيْتِ وَمُعَظِّمًا لِحُرْمَتِهِ.
فَخَرَجَ عثمان رضي الله عنه إِلَى مَكَّةَ، فَلَقِيَهُ أَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ العاص حين
أَجَارَهُ حَتَّى بَلَّغَ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فانطلق عثمان رضي الله عنه حَتَّى أَتَى أَبَا سُفْيَانَ وَعُظَمَاءَ قُرَيْشٍ، فَبَلَّغَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أرسله به.
فقالوا لعثمان رضي الله عنه حِينَ فَرَغَ مِنْ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَطُفْ.
فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ حَتَّى يَطُوفَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاحْتَبَسَتْهُ قُرَيْشٌ عِنْدَهَا, وبعثوا ، سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، وَحُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى، وَمِكْرَزَ بْنَ حَفْصٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَبَيْنَمَا هُمْ عِنْدَهُمْ إِذْ وَقَعَ كَلَامٌ بَيْنَ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ وَبَعْضِ الْمُشْرِكِينَ، وَتَرَامَوْا بِالنَّبْلِ وَالْحِجَارَةِ.(تفسير ابن كثير 4/235ـ236)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
بلغ رسول الله عليه الصلاة والسلام أن عثمان رضي الله عنه قد قتل ,فدعا إلى البيعة.
فَثارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَبَايَعُوهُ على أن لا يَفِرُّوا أَبَدًا.
فأخذ رسول الله عليه الصلاة والسلام بيد نفسه وقال :
( هذه عن عثمان ) ولما تمت البيعة, رجع عثمان رضي الله عنه .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/122)
* قال ابن كثير :
فَأَرْعَبَ ذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ وَأَرْسَلُوا مَنْ كَانَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَدَعَوْا إِلَى الْمُوَادَعَةِ وَالصُّلْحِ.(تفسير 4/236)
* سبب تسمية البيعة بالرضوان:
جاء في القرآن الكريم أن الله قد رضي عن الصحابة الذين حضروا هذه البيعة.
في قوله تعالى:
(لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً )سورة الفتح (19)
* الحديث الصحيح: حديث جابر بن عبدالله
(لا يَدْخُلُ النارَ أحدٌ ممَن بايعَ تحتَ الشجرةِ)(صحيح أبي داود : 4653 صحيح ومسلم في الفضائل باب 37 (163)
* تفسير الآيات:
1) في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) سورة الفتح(10)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى ﴿بيعة الرضوان﴾ التي بايع الصحابة رضي الله عنهم فيها رسول الله ﷺ، على أن لا يفروا عنه .
ـ قوله تعالى ﴿يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾ ويعقدون العقد معه.
ـ قوله تعالى ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ كأنهم بايعوا الله وصافحوه بتلك المبايعة، وكل هذا لزيادة التأكيد والتقوية، وحملهم على الوفاء بها.
ـ قوله تعالى ﴿فَمَنْ نَكَثَ﴾ فلم يفي بما عاهد الله عليه .
ـ قوله تعالى ﴿فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ لأن وبال ذلك راجع إليه، وعقوبته واصلة له.
ـ قوله تعالى ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ﴾ أتى به كاملا موفرا.
ـ قوله تعالى ﴿فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ لا يعلم عظمه وقدره إلا الذي آتاه إياه.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 115)
2) قوله تعالى (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً * وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً)سورة الفتح (18ـ 19)
* قال ابن كثير :
قوله تعالى ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾ يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ رِضَاهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ.(تفسير ابن كثير4/ 241)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى ﴿فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ من الإيمان.
ـ قوله تعالى ﴿فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ﴾ شكرا لهم على ما في قلوبهم ,فأنزل عليهم السكينة تثبتهم وتطمئن قلوبهم .
ـ قوله تعالى ﴿وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً﴾ هو فتح خيبر ,لم يحضره سوى أهل الحديبية .
ـ قوله تعالى ﴿وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها ﴾ فاختصوا بخيبر وغنائمها جزاء لهم وشكراً على ما فعلوه من طاعة الله تعالى والقيام بمرضاته.
ـ قوله تعالى ﴿وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ﴾ له العزة والقدرة , حكيم يبتلي بعضهم ببعض ويمتحن المؤمن بالكافر.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/117ـ118)
صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق