جزء الأحقاف سورة الأحقاف (2)
قــال تــعـالـى
(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ* وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ * وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ * أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ * وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) سورة الأحقاف (13ـ 20)
1) الوعد والوعيد في الآيات:
* الوعد في الآية (فضل الاستقامة )
في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ)سورة الأحقاف (13ـ 14)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) الذين أقروا بربهم وشهدوا له بالوحدانية والتزموا طاعته وداموا على ذلك مدة حياتهم.
ـ قوله تعالى (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) من كل شر أمامهم .
ـ قوله تعالى (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)على ما خلفوا وراءهم .
ـ قوله تعالى (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ) اهلها الملازمون لها الذين لا يبغون عنها حول ولا يريدون بها بدلا.
ـ قوله تعالى (خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) من الإيمان بالله المقتضي للأعمال الصالحة التي استقاموا عليها.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 96)
* الأسباب المعينة على الاستقامة:
1/ تقوى الله سبحانه وتعالى ومراقبته.
2/ دعاؤه - جل وعلا- بالهداية: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}[الفاتحة: 6].
3/ المحافظة على الصلاة .
4/ طَلَبُ العلم الشرعي.
5/ الأعمال الصالحة، من بِرِّ الوالدين، وكثرة النوافل، وغيرها.
6/ قِرَاءة القرآنِ وتَدَبُّره.
7/ الإكثار من ذكر الله.
8/ النظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح.(محاضرة عن الاستقامة https://noyer5.blogspot.com/2018/08/12498.html)
2) الأحكام الشرعية في الآيات .
1ـ الأمر بالإحسان إلى الوالدين :
في قوله تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) سورة الأحقاف (15ـ 16)
* قال ابن كثير :
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ التَّوْحِيدَ لَهُ وَإِخْلَاصَ الْعِبَادَةِ وَالِاسْتِقَامَةِ إِلَيْهِ، عَطَفَ بِالْوَصِيَّةِ بِالْوَالِدَيْنِ.
ـ قوله تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً) أَيْ أَمَرْنَاهُ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا وَالْحُنُوِّ عَلَيْهِمَا.
ـ قوله تعالى (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً) أَيْ قَاسَتْ بِسَبَبِهِ فِي حَالِ حَمْلِهِ مَشَقَّةً وَتَعَبًا.
ـ قوله تعالى (وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) أَيْ بِمَشَقَّةٍ أَيْضًا مِنَ الطَّلْقِ وَشِدَّتِهِ.
ـ قوله تعالى (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَهُوَ الصحيح.
ـ قوله تعالى (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) أَيْ قَوِيَ وَشَبَّ وَارْتَجَلَ.
ـ قوله تعالى (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) أَيْ تَنَاهَى عَقْلُهُ وَكَمُلَ فَهْمُهُ وَحِلْمُهُ.
ـ قوله تعالى (قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) أَيْ أَلْهِمْنِي.(تفسير ابن كثير 4/198ـ 199)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ) النعم على الوالدين نعم على أولادهم وذريتهم.
ـ قوله تعالى (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) أن صلاحهم يعود نفعه على والديهم .
ـ قوله تعالى (إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) من الذنوب والمعاصي ورجعت إلى طاعتك .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 96ـ97)
* قال ابن كثير :
ـ قوله تعالى (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا)هَؤُلَاءِ التائبون إلى الله .
ـ قوله تعالى (وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ ) فَيَغْفِرُ لَهُمُ الْكَثِيرَ مِنَ الزَّلَلِ وَيَتَقَبَّلُ مِنْهُمُ الْيَسِيرَ مِنَ الْعَمَلِ.(تفسير ابن كثير 4/199ـ 200)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى (فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ) فحصل لهم الخير والمحبوب ,وزال عنهم الشر والمكروه.
ـ قوله تعالى (وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) هذا الوعد الذي وعدناهم هو وعد صادق من أصدق القائلين الذي لا يخلف الميعاد.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/97)
2ـ النهي عن عقوق الوالدين:
في قوله تعالى (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ * أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ * وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)سورة الأحقاف (17ـ 19)
* قال ابن كثير :
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى حَالَ الدَّاعِينَ لِلْوَالِدَيْنِ الْبَارِّينَ بِهِمَا وَمَا لَهُمْ عِنْدَهُ مِنَ الْفَوْزِ وَالنَّجَاةِ عَطَفَ بِحَالِ الْأَشْقِيَاءِ الْعَاقِّينَ لِلْوَالِدَيْنِ.(تفسير ابن كثير 4/200)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ) إذ دعواه إلى الإيمان بالله واليوم الآخر.
ـ قوله تعالى (أُفٍّ لَكُما) تبا لكما ولما جئتما به .
ـ قوله تعالى (أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ) من قبري إلى يوم القيامة ,استبعاده وإنكاره.
ـ قوله تعالى (وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي) على التكذيب وسلفوا على الكفر .
ـ قوله تعالى (وَهُما) أي: والداه.
ـ قوله تعالى (يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ) يبذلان غاية جهدهما ويسعيان في هدايته أشد السعي ,من حرصهما عليه أنهما يستغيثان الله له.
ـ قوله تعالى (إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) ثم يقيمان عليه الأدلة ما أمكنهما.
ـ قوله تعالى (فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) وولدهما لا يزداد إلا عتواّ ونفوراّ واستكباراّ عن الحق وقدحاّ فيه.
ـ قوله تعالى (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) حقت عليهم كلمة العذاب .
ـ قوله تعالى (فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) على الكفر والتكذيب.
ـ قوله تعالى (إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) قد فاتهم الإيمان ولم يحصلوا على شيء من النعيم ولا سلموا من عذاب الجحيم.
ـ قوله تعالى (وَلِكُلٍّ) من أهل الخير وأهل الشر .
ـ قوله تعالى (دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) كل على حسب مرتبته من الخير والشر ومنازلهم في الدار الآخرة على قدر أعمالهم.
ـ قوله تعالى (وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) لا يزاد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 97ـ 98)
3) الوعد والوعيد في الآيات .
* الوعيد في الآية :
في قوله تعالى( وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ)(سورة الأحقاف:20)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
ـ قوله تعالى( وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) يذكر تعالى حال الكفار عند عرضهم على النار حين يوبخون ويقرعون.
ـ قوله تعالى( أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها) حيث اطمأننتم إلى الدنيا ,واغتررتم بلذاتها وألهتكم عن السعي لآخرتكم .
ـ قوله تعالى( فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) العذاب الشديد الذي يهينكم.
ـ قوله تعالى( بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) بما كنتم تقولون على الله غير الحق تنسبون الطريق الضالة التي أنتم عليها إلى الله وإلى حكمه وأنتم كذبة في ذلك.
ـ قوله تعالى( وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) تتكبرون عن طاعته.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 98)
صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين