جزء الذاريات سورة الواقعة (3)
قـــال تــعــالــى
(فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ * أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ * وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ * فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لَا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ *إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ* فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) سورة الواقعة (75ـ 96)
1) مسائل العقيدة في الآيات.
* يُقْسِمُ الله بِمَا شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ:
في قوله تعالى (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ * أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ)سورة الواقعة (75ـ 81)
* قال ابن كثير :
قسم من الله يُقْسِمُ بِمَا شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى عَظَمَتِهِ.(تفسير ابن كثير 4/379)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى { فَلا أُقْسِمُ } للتنبيه والتوكيد وليست للنفي.
ـ قوله تعالى { بِمَواقِعِ النُّجُومِ } اختلف فيها العلماء رحمهم الله :
ـ قيل: إن المراد بذلك أوقات نزول القرآن؛ لأن القرآن نزل مفرقاً، والشيء المفرق يسمى منجماً.
ـ وقيل: المراد بمواقع النجوم مواقع الطلوع والغروب ، ومواقع طلوعها ، وتعاقب الليل والنهار من آيات الله العظيمة الكبيرة التي لا يقدر عليها إلا الله.
ـ وقيل: بمواقع النجوم: الأنواء، وكانوا في الجاهلية يعظمونها حتى إنهم يقولون: إن المطر ينزل بالنوء, ويقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا.
والمهم أن الله تعالى أقسم بمواقع النجوم على أمر من أعظم الأمور.
ـ قوله تعالى { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } يجب أن نتفطن لهذا القسم وعظمته حتى نكون ذوي علم به.
ـ قوله تعالى { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ } نزل على محمد صلى الله عليه وسلم .
ـ قوله تعالى (كَرِيمٌ }
ـ كريم في ثوابه، فالحرف بحسنة، والحسنة بعشرة أمثالها.
ـ كريم في آثاره على القلوب وصلاحها، فإن قراءة القرآن تلين القلوب، وتوجب الخشوع لله .
ـ كريم في آثاره بدعوة الناس إلى شريعة الله.
ـ قوله تعالى { فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ }
ـ قيل: إنه اللوح المحفوظ .
ـ وقيل: المراد به الكتب التي بأيدي الملائكة .
وأكثر المفسرين : المراد به اللوح المحفوظ.
ـ قوله تعالى { لَا يَمَسُّهُ } أي: لا يمس هذا الكتاب المكنون .
ـ قوله تعالى { إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ }
ـ قيل: وهم الملائكة طهرهم الله تعالى من الشرك والمعاصي.
ـ وقيل: لا يمس القرآن إلا طاهر، ولكن هذا قول ضعيف.
والصواب: أن المراد بذلك الملائكة.
ـ قوله تعالى { تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ } هذا القرآن نزل من عند الله لأنه كلامه، وكلام الله تعالى منزل غير مخلوق.
ـ قوله تعالى { الْعالَمِينَ } كل من سوى الله، وسموا عالمين؛ لأنهم علم على خالقهم.
ـ قوله تعالى { أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ } يعني أبعد هذا البيان لعظمة القرآن الكريم تدهنون به الكفار وتسكتون عن بيانه وعن العمل به.
وهذا الاستفهام للإنكار , ولكن هذا ليس بحاصل
فالواجب على المؤمن أن يبرز بدينه ويفتخر به ويظهره , أن يكون الإنسان صريحاً فلا يداهن في دين الله.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/278ـ279ـ 280)
* الكفر بنعم الله تعالى .
في قوله تعالى (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)(سورة الواقعة:82)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
أي: تجعلون عطاء الله تكذيباً , أن ينسب الإنسان نعمة الله إلى السبب متناسياً المسبب سبحانه وتعالى.
كقوله مثلاً: مطرنا بنوء كذا فينسب المطر إلى النوء لا إلى الخالق , فهذا نوع من الشرك. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 280)
فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
«أتدرون ماذا قال ربكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:
«قال أصبح من عبادي مؤمن بي، وكافر , فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب» (أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية (رقم 4147) ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء (رقم 71) .
* خروج الروح وقت الاحتضار:
في قوله تعالى (فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لَا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)سورة الواقعة(83ـ 87)
* قال ابن كثير :
ـ قوله تعالى(فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ) أَيِ الرُّوحُ.
ـ قوله تعالى(الْحُلْقُومَ) الْحَلْقَ وَذَلِكَ حِينَ الاحتضار.
ـ قوله تعالى(وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ ) إِلَى الْمُحْتَضَرِ وَمَا يُكَابِدُهُ مِنْ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ .
ـ قوله تعالى(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ) بِمَلَائِكَتِنَا .
ـ قوله تعالى(وَلكِنْ لَا تُبْصِرُونَ) ولكن لا ترونهم.
ـ قوله تعالى( فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَها) فَهَلَّا تَرْجِعُونَ هَذِهِ النَّفْسَ الَّتِي قَدْ بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ إِلَى مَكَانِهَا الْأَوَّلِ وَمَقَرِّهَا فِي الْجَسَدِ .
ـ قوله تعالى (إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ)
ـ قال ابن عباس: يعني محاسبين
ـ قال سعيد بن جبير :غير مصدقين أنكم تدانون وتبعثون وتجزون.
ـ قوله تعالى (تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فَهَلَّا تَرْجِعُونَ هَذِهِ النَّفْسَ الَّتِي قَدْ بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ إِلَى مَكَانِهَا الْأَوَّلِ وَمَقَرِّهَا فِي الْجَسَدِ .(تفسير ابن كثير 4/ 382)
2) الوعد والوعيد في الآيات.
* الوعد والوعيد في حال الاحتضار:
في قوله تعالى (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ* فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)سورة الواقعة (88ـ96)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
قسم الله تعالى المحتضرين إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول:
قوله تعالى (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ) هم الذين أتوا بالواجبات، وتركوا المحرمات، وأتوا بالمستحبات، وتنزهوا عن المكروهات، أي: أكملوا دينهم.
ـ قوله تعالى { فَرَوْحٌ ) فراحة، لأن المؤمن وإن كان يكره الموت لكنه يستريح به، لأنه يبشر عند النزع بروح وريحان، ورب غير غضبان، فيسر ويبتهج ولا يكره الموت حينئذ بل يحب لقاء الله ,وهذا لا شك راحة له من نكد الدنيا ونصبها وهمومها.
ـ قوله تعالى { وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ } كل ما يسر النفس، وما فيه راحة النفس ولذتها من مأكول، ومشروب، وملبوس، ومنكوح ومشموم، فهو شامل.
القسم الثاني :
في قوله تعالى { وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ } هم الذين أتوا بالواجبات وتركوا المحرمات، لكنَّ فيهم نقصاً في المستحبات والتنزه عن المكروهات .
ـ قوله تعالى { فَسَلامٌ } سلامة .
ـ قوله تعالى { لَكَ )أيها المحتضر .
ـ قوله تعالى { مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ } أنت من أصحاب اليمين، والمعنى: فسلام لك حال كونك من أصحاب اليمين، لا سابقين ولا مخذولين، لكنهم ناجون من العذاب.
القسم الثالث:
في قوله تعالى { وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ } بالخبر .
ـ قوله تعالى { الضَّالِّينَ } في العمل
فلا تصديق ولا التزام، فكل كافر داخل في هذه الآية حتى المنافق .
ـ قوله تعالى { فَنُزُلٌ } النزل بمعنى الضيافة التي تقدم للضيف أول ما يقدم.
ـ قوله تعالى { مِنْ حَمِيمٍ } هو شديد الحرارة .
ـ قوله تعالى { وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } أي يصلون الجحيم فيخلدون فيها، والجحيم من أسماء النار .
ـ قوله تعالى { إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ } اليقين المتحقق المتأكد وصدق الله.
لا يمكن أن يخرج الناس عن هذه الأقسام الثلاثة
ـ الحديث الصحيح:
يَقُولُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» قَالَ: فَأَكَبَّ الْقَوْمُ يَبْكُونَ، فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكُمْ؟» فَقَالُوا: إِنَّا نَكْرَهُ الْمَوْتَ.
قَالَ «ليس ذاك ولكنه إذا احتضر فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ فَإِذَا بُشِّرَ بِذَلِكَ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلِقَائِهِ أَحَبُّ وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ فَإِذَا بُشِّرَ بِذَلِكَ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَاللَّهُ تعالى لِلِقَائِهِ أَكْرَهُ» «هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا شَاهِدٌ لمعناه. أخرجه مسلم في الذكر حديث 18.
ـ قوله تعالى { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ } ينزه الله عن كل نقص وعيب، أو مماثلة للمخلوق، فهو منزه عن كل نقص لكمال صفاته وعن مماثلة المخلوق.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/281ـ282ـ283)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ» «أخرجه البخاري في التوحيد باب 58، ومسلم في الذكر حديث 30، والترمذي في الدعوات باب 59، وابن ماجة في الأدب باب 56، وأحمد في المسند 2/ 232.
تم بحمد الله تفسير (سورة الواقعة)
صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق