جزء قَدْ سَمِعَ (سورة الممتحنة (2)
قــــــال تـــعـــالـــى
(عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * لَا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) سورة الممتحنة (7ـ 13)
1) مسائل العقيدة في الآيات.
* موالاة المؤمنين ومحبتهم
في قوله تعالى (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (سورة الممتحنة (7)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
أخبر تعالى أن هذه العداوة التي أمر بها المؤمنين للمشركين ,ووصفهم بالقيام بها أنهم ما داموا على شركهم وكفرهم , وأنهم إن انتقلوا إلى الإيمان , فإن الحكم يدور مع علته , فإن المودة الإيمانية ترجع , فلا تيأسوا ايها المؤمنون ,من رجوعهم إلى الإيمان.
ـ قوله تعالى(عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً) سببها رجوعهم إلى الإيمان .
ـ قوله تعالى (وَاللَّهُ قَدِيرٌ ) على كل شيء ومن ذلك هداية القلوب وتقليبها من حال إلى حال.
ـ قوله تعالى (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لا يتعاظمه ذنب أن يغفره ,ولا يكبر عليه عيب أن يستره .
وفي هذه الآية إشارة وبشارة إلى إسلام بعض المشركين ,الذين كانوا إذ ذاك أعداء للمؤمنين ,وقد وقع ذلك ولله الحمد والمنة .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/335ـ 336)
2) الأحكام الشرعية في الآيات .
* حكم موالاة الكفار من ذوي القربى :
في قوله تعالى (لَا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )سورة الممتحنة (8ـ 9)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
لما نزلت هذه الآيات الكريمات ,المهيجة على عداوة الكافرين , وقعت من المؤمنين كل موقع ,وقاموا بها أتم القيام , وتأثموا من صلة بعض أقاربهم المشركين , وظنوا أن ذلك داخل فيما نهى الله عنه.
فأخبرهم الله أن ذلك لا يدخل في المحرم
ـ قوله تعالى (لَا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)
أي: لا ينهاكم الله عن البر والصلة , والمكافأة بالمعروف , والقسط للمشركين ,من أقاربكم وغيرهم , حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدين والإخراج من دياركم , فليس عليكم جناح أن تصلوهم ,فإن صلتهم في هذه الحالة , لا محذور فيها ولا مفسدة .
كما قال تعالى عن الأبوين المشركين إذا كان ولدهما مسلماّ
قال تعالى (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)(سورة لقمان ـ 15)
* قال ابن كثير :
ـ قوله تعالى(لَا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) أي يعاونوا على إخراجكم أَيْ لَا يَنْهَاكُمْ عَنِ الْإِحْسَانِ إِلَى الْكَفَرَةِ الَّذِينَ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ فِي الدِّينِ كَالنِّسَاءِ وَالضَّعَفَةِ مِنْهُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ أَيْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِمْ .
ـ قوله تعالى (وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) أَيْ تَعْدِلُوا .
ـ قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
وَأَوْرَدَ الْحَدِيثَ الصَّحِيحِ «الْمُقْسِطُونَ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهَالِيهِمْ وما ولوا» أخرجه مسلم في الإمارة حديث 18، والنسائي في آداب القضاة باب 1، وأحمد في المسند 2/ 160.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ: قَدِمَتْ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدُوا
فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُهَا؟
قَالَ: «نَعَمْ صِلِي أمك»
« أخرجاه. أخرجه البخاري في الهبة باب 29، والجزية باب 18، والأدب باب 8، ومسلم في الزكاة حديث 50، وأبو داود في الزكاة باب 34، وأحمد في المسند 6/ 344، 347، 355.(تفسير ابن كثير 4/ 4446)
ـ قوله تعالى(إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )الممتحنة(9)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى (إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ) أي: لأجل دينكم ,عداوة لدين الله ولمن قام به .
ـ قوله تعالى (وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا) أي: عاونوا غيرهم .
ـ قوله تعالى (إِخْراجِكُمْ) نهاكم الله
ـ قوله تعالى (أَنْ تَوَلَّوْهُمْ) بالمودة والنصرة ,بالقول والفعل.
وأما بركم وإحسانكم , الذي ليس بتول للمشركين, فلم ينهكم الله عنه ,بل ذلك داخل في عموم الأمر بالإحسان إلى الأقارب وغيرهم من الآدميين وغيرهم.
ـ قوله تعالى (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) وذلك الظلم يكون بحسب التولي ,فإن كان تولياّ تاما, صار ذلك كفراّ مخرجاّ عن دائرة الإسلام ,وتحت ذلك من المراتب ما هو غليظ وما هو دون ذلك.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 335ـ336)
* قال ابن كثير:
أَيْ إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ عَنْ مُوَالَاةِ هؤلاء الذين ناصبوكم بالعداوة فَقَاتَلُوكُمْ وَأَخْرَجُوكُمْ وَعَاوَنُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عز وجل عَنْ مُوَالَاتِهِمْ وَيَأْمُرُكُمْ بِمُعَادَاتِهِمْ، ثُمَّ أَكَّدَ الْوَعِيدَ عَلَى مُوَالَاتِهِمْ
فَقَالَ( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).(تفسير ابن كثير 4/ 447)
3) القواعد الفقهية في الآيات :
* قاعدة (الخاص يقيد العام )
في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ )سورة الممتحنة (10)
* قال ابن كثير :
في ذِكْرُ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ كُفَّارِ قريش فكان فيه: على أَنْ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، وَفِي رِوَايَةٍ: عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا.
وَهَذَا قَوْلُ عُرْوَةَ وَالضَّحَّاكِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ وَالزُّهْرِيِّ وَمُقَاتِلٍ بن حيان وَالسُّدِّيِّ: تَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ مُخَصَّصَةً لِلسُّنَّة.
* قال الشيخ محمد العثيمين :
لما كان صلح الحديبية صالح النبي صل الله عليه وسلم المشركين على أن من جاء منهم إلى المسلمين مسلماّ ,أنه يرد إلى المشركين ,
وكان هذا لفظاّ عاماّ , مطلقاّ يدخل في عمومه النساء والرجال
فأما الرجال فإن الله لم ينه رسوله عن ردهم ,إلى المشركين وفاء بالشرط وتتميماّ للصلح الذي هو من أكبر المصالح
وأما النساء فلما كان ردهن فيه مفاسد كثيرة
أمر الله المؤمنين إذا جاءهم المؤمنات مهاجرات ,وشكوا في صدق إيمانهن ,أن يمتحنوهن ويختبرهن , بما يظهر به صدقهن , من أيمان مغلظة وغيرها ,
فإنه يحتمل :
ـ أن يكون إيمانها غير صادق بل رغبة في زواج أو بلد أو غير ذلك من المقاصد الدنيوية , فإن كن بهذا الوصف , تعين ردهن وفاء بالشرط ,من غير حصول مفسدة .
ـ وإن امتحنوهن ,فوجدن صادقات ,أو علموا ذلك منهن من غير امتحان ,فلا يرجعوهن إلى الكفار .
ـ قوله تعالى (لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) فهذه مفسدة كبيرة في ردهن راعاها الشارع .
ـ قوله تعالى (وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا ) وراعى أيضا الوفاء بالشرط بأن يعطوا الكفار أزواجهن ما أنفقوا عليهن من المهر وتوابعه عوضاّ عنهن.
ـ قوله تعالى (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) ولا جناح حينئذ على المسلمين أن ينكحوهن ولو كان لهن أزواج في دار الشرك ,ولكن بشرط أن يؤتوهن أجورهن من المهر والنفقة .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 336)
4) الأحكام الشرعية في الآيات .
1/ النهي عن نكاح المسلمة بالكافر :
في قوله تعالى (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
وكما أن المسلمة لا تحل للكافر , فكذلك الكافرة لا تحل للمسلم أن يمسكها مادامت على كفرها ,غير أهل الكتاب.
وإذا نهى عن الإمساك بعصمتها فالنهي عن ابتداء تزويجها أولى .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 336)
* قال ابن كثير:
تَحْرِيمٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ نِكَاحَ الْمُشْرِكَاتِ وَالِاسْتِمْرَارَ مَعَهُنَّ.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ
أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية:
جاءه نِسَاءٌ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ- إِلَى قَوْلِهِ- وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ)
فَطَلَّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ تَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَالْأُخْرَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ «أخرجه البخاري في الشروط باب 15، وأحمد في المسند 4/ 331.(تفسير ابن كثير 4/ 449)
ـ قوله تعالى (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا مَا أَنْفَقُوا)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
أيها المؤمنون ,حين ترجع زوجاتكم مرتدات إلى الكفار ,فإذا كان الكفار يأخذون من المسلمين نفقة من أسلمت من نسائهم ,استحق المسلمون أن يأخذوا مقابلة ما ذهب من نسائهم إلى الكفار .
ـ قوله تعالى (ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي ذلكم الذي ذكره الله وبينه لكم يحكم به بينكم
ـ قوله تعالى(وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) فيعلم تعالى ,ما يصلح لكم من الأحكام ,ويشرع لكم ما تقتضيه الحكمة .
ـ قوله تعالى(وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ) بأن ذهبن مرتدات.
ـ قوله تعالى(فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا) كما تقدم أن الكفار إذا كانوا يأخذون بدل ما يفوت من أزواجهم إلى المسلمين ,فمن ذهبت زوجته من المسلمين إلى الكفار وفاتت عليه ,لزم أن يعطيه المسلمون من الغنيمة بدل ما أنفق.
ـ قوله تعالى(وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) فإيمانكم بالله , يقتضي منكم أن تكونوا ملازمين للتقوى على الدوام. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 336ـ 337)
2/ مبايعة النساء على إقامة الواجبات :
في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)سورة الممتحنة(12)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
هذه الشروط المذكورة في هذه الآية ,تسمى "مبايعة النساء "
اللاتي كن يبايعن على إقامة الواجبات المشتركة ,التي تجب على الذكور والنساء في جميع الأوقات, وأما الرجال فيتفاوت ما يلزمهم بحسب أحوالهم ومراتبهم.
فكان النبي صل الله عليه وسلم يمتثل ما أمره الله به
فكان إذا جاءته النساء يبايعنه ,والتزمن بهذه الشروط بايعهن ,وجبر قلوبهن ,واستغفر لهن الله ,فيما يحصل منهن من التقصير وأدخلهن في جملة المؤمنين بأن :
ـ قوله تعالى(عَلى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً) بأن ينفردن الله وحده بالعبادة .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 337)
ـ قوله تعالى (وَلا يَسْرِقْنَ )
* قال ابن كثير :
وَلا يَسْرِقْنَ أَمْوَالَ النَّاسِ الْأَجَانِبِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الزَّوْجُ مُقَصِّرًا فِي نَفَقَتِهَا فَلَهَا أَنْ تَأْكُلَ مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَمْثَالِهَا وإن كان من غير عِلْمِهِ عَمَلًا .
بِحَدِيثِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ أَنَّهَا قَالَتْ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يُعْطِينِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بَنِيَّ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ إِنْ أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ» «أَخْرَجَاهُ في الصحيحين أخرجه البخاري في الأحكام باب 28، ومسلم في الأقضية حديث 7.(تفسير ابن كثير 4/ 453)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
ـ قوله تعالى(وَلا يَزْنِينَ) كما كان ذلك موجوداّ كثيراّ في البغايا وذوات الأخدان .
ـ قوله تعالى (وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ) كما يجري لنساء الجاهلية الجهلاء من وأد البنات
ـ قوله تعالى (وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ) والبهتان: الافتراء على الغير.
أي: لا يفترين بكل حالة , سواء تعلقت بهن وأزواجهن أو سواء تعلق ذلك بغيرهم
ـ قوله تعالى (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) أي: لا يعصينك في كل أمر تأمرهن به, لأن أمرك لا يكون إلا بمعروف , ومن ذلك طاعتهن لك في النهي عن النياحة ,وشق الثياب ,وخمش الوجوه ,والدعاء بدعاء الجاهلية
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» «أخرجه البخاري في الجنائز باب 36، ومسلم في الإيمان حديث 165.
ـ قوله تعالى (فَبايِعْهُنَّ ) إذا التزمن بجميع ما ذكر.
ـ قوله تعالى (وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ) عن تقصيرهن ,وتطيباّ لخواطرهن
ـ قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ) أي: كثير المغفرة للعاصين ,والإحسان إلى المذنبين التائبين
ـ قوله تعالى (رَحِيمٌ) وسعت رحمته كل شيء ,وعم إحسانه البرايا.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 337)
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إسحاق حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ:
أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ بِهَذِهِ الْآيَةِ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ- إِلَى قَوْلِهِ- غَفُورٌ رَحِيمٌ )
قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«قَدْ بَايَعْتُكِ» كَلَامًا، وَلَا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امرأة في المبايعة قط، وما يبايعهن إلا بقوله: «قد بَايَعْتُكِ عَلَى ذَلِكَ» هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ كتاب التفسير، تفسير سورة 60، باب 3.
5) مسائل العقيدة في الآية.
*النهي عن موالاة الكفار من حارب الله ورسوله:
في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ)(سورة الممتحنةـ13)
* قال ابن كثير :
يَنْهَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ مُوَالَاةِ الْكَافِرِينَ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ كَمَا نَهَى عَنْهَا فِي أَوَّلِهَا
فقال تعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) يَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَسَائِرَ الْكُفَّارِ مِمَّنْ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَاسْتَحَقَّ مِنَ اللَّهِ الطَّرْدَ وَالْإِبْعَادَ، فَكَيْفَ تُوَالُونَهُمْ وَتَتَّخِذُونَهُمْ أَصْدِقَاءَ وَأَخِلَّاءَ .(تفسير ابن كثير 4/ 455)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى(وَقَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ) أي: قد حرموا من خير الآخرة ,فليس لهم منها نصيب ,فاحذروا أن تولوهم فتوافقوهم على شرهم وكفرهم فتحرموا خير الآخرة كما حرموا .
وقوله تعالى(كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) قد أنكروها وكفروا بها ,فلا يستغرب حينئذ منهم الإقدام على مساخط الله وموجبات عذابه وإياسهم من الآخرة كما يئس الكفار المنكرون للبعث في الدنيا من رجوع أصحاب القبور إلى الله تعالى .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 337)
تم بحمد الله تفسير سورة الممتحنة
صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق