جزء قَدْ سَمِعَ (سورة الصف (1)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ * إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ * وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ ) سورة الصف (1ـ 5)
1) مسائل العقيدة في الآيات.
* بيان عظمة الله وقهره:
في قوله تعالى(سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) سورةالصف:1
* قال الشيخ محمد العثيمين:
ـ قوله تعالى(سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) وهذ بيان لعظمته تعالى وقهره ,وذل جميع الخلق له تبارك وتعالى ,وأن جميع من في السماوات والأرض يسبحون بحمد الله ويسألونه حوائجهم
ـ قوله تعالى (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الذي قهر الأشياء بعزته وسلطانه.
ـ قوله تعالى (الْحَكِيمُ ) في خلقه وأمره.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 338)
2) الأحكام الشرعية في الآيات .
1) إنكار القول بلا عمل:
في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) سورة الصف(2ـ 3)
* قال ابن كثير :
ـ قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ) إنكار على من يعد وعدا أَوْ يَقُولُ قَوْلًا لَا يَفِي بِهِ. (تفسير ابن كثير 4/ 457)
* وقال الشيخ محمد العثيمين :
أي : لم تقولون الخير وتحثون عليه , وربما تمدحتم به وأنتم لا تفعلونه , وتنهون عن الشر وربما نزهتم أنفسكم عنه ,وأنتم متلوثون به ومتصفون به؟
فهل تليق بالمؤمنين هذه الحالة الذميمة ؟
أم من أكبر المقت عند الله أن يقول العبد مالا يفعل ؟
ولهذا ينبغي للأمر بالخير أن يكون أول الناس إليه مبادرة ,وللناهي عن الشر أن يكون أبعد الناس منه
(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)(البقرة: 44)
وقال شعيب عليه الصلاة والسلام لقومه (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ) سورة هود:88)
2) الحث على الجهاد في سبيل الله تعالى :
في قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ)سورة الصف (4)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
هذا حث من الله لعباده على الجهاد في سبيله وتعليم لهم كيف يصنعونه وأنه ينبغي لهم أن يصفوا في الجهاد صفا متراصاّ متساوياّ, من غير خلل يقع في الصفوف ,وتكون صفوفهم على نظام وترتيب به تحصل المساواة بين المجاهدين والتعاضد وإرهاب العدو وتنشيط بعضهم بعضا ,ولهذا كان النبي صل الله عليه وسلم إذا حضر القتال ,صف أصحابه ,ورتبهم في موافقهم ,بحيث لا يحصل أتكال بعضهم بعضاّ ,بل تكون كل طائفة منهم مهتمة بمركزها وقائمة بوظيفتها ,وبهذه الطريقة تتم الأعمال ويحصل الكمال.( .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 338)
3) القصص القرآنية :
* قصة موسى عليه السلام مع قومه:
في قوله تعالى (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) سورة الصف (5)
* قال ابن كثير :
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ وَكَلِيمِهِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ:
ـ قوله تعالى (لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ) أَيْ لِمَ تُوصِلُونَ الْأَذَى إِلَيَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ صِدْقِي فِيمَا جِئْتُكُمْ بِهِ مِنَ الرِّسَالَةِ. وَفِي هَذَا تَسْلِيَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فيما أصابه مِنَ الْكُفَّارِ مِنْ قَوْمِهِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَمْرٌ لَهُ بِالصَّبْرِ
وَفِيهِ نَهْيٌ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَنَالُوا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يُوَصِّلُوا إِلَيْهِ أَذًى
كَمَا قَالَ تَعَالَى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً) [الْأَحْزَابِ:69] .
ـ قوله تعالى (فَلَمَّا زاغُوا) أَيْ فَلَمَّا عَدَلُوا عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ مَعَ عِلْمِهِمْ بِهِ
ـ قوله تعالى (أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ )عَنِ الْهُدَى وَأَسْكَنَهَا الشَّكَّ وَالْحَيْرَةَ وَالْخُذْلَانَ. (تفسير ابن كثير 4/ 459ـ 460)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) موبخاّ لهم على صنيعهم ,ومقرعاّ لهم على أذيته ,وهم يعلمون أنه رسول الله .
ـ قوله تعالى (لِمَ تُؤْذُونَنِي) بالأقوال والأفعال .
ـ قوله تعالى (وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ) والرسول حقه الإكرام والإعظام ,والانقياد بأوامره .
وأما أذية الرسول الذي إحسانه إلى الخلق فوق كل إحسان بعد إحسان الله ,ففي غاية الوقاحة والجراءة والزيغ عن الصراط المستقيم ,الذي قد علموه وتركوه .
ـ قوله تعالى (فَلَمَّا زاغُوا) أي: انصرفوا عن الحق بقصدهم .
ـ قوله تعالى (أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) عقوبة لهم على زيغهم الذي اختاروه لأنفسهم ورضوه لها ,ولم يوفقهم الله للهدى ,لأنهم لا يليق بهم الخير ,ولا يصلحون إلا للشر.
ـ قوله تعالى (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) أي: الذين لم يزل الفسق وصفاّ لهم ,ليس لهم قصد في الهدى.
وهذه الآية الكريمة تفيد أن إضلال الله لعباده ,ليس ظلماّ منه , ولا حجة لهم عليه ,وإنما ذلك بسبب منهم ,فإنهم الذين أغلقوا على أنفسهم باب الهدى بعد ما عرفوه ,فيجازيهم بعد ذلك بالإضلال والزيغ الذي لا حيلة لهم في دفعة وتقليب عقوبة لهم وعدلاّ منه بهم .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/338ـ 339)
صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق