جزء قَدْ سَمِعَ (سورة الصف (2)
قـــال تــعــالــى
(وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) سورة الصف(6ـ 13)
1) القصص القرآنية:
* قصة عيسى عليه السلام:
في قوله تعالى (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ)(سورة الصف:6)
* قال ابن كثير :
فَعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هو خَاتَمُ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَدْ أَقَامَ فِي مَلَإِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَشِّرًا بِمُحَمَّدٍ وَهُوَ أَحْمَدُ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ الَّذِي لَا رِسَالَةَ بَعْدَهُ وَلَا نُبُوَّةَ
وَمَا أَحْسَنَ مَا أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ الْحَدِيثَ الَّذِي قَالَ فِيهِ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«إِنَّ لِي أَسْمَاءٌ أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي وَأَنَا الْعَاقِبُ» «وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ بِهِ نَحْوَهُ أخرجه البخاري في تفسير سورة 61، باب 1، ومسلم في الفضائل حديث 124.
مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا أَخَذَ عَلَيْهِ الْعَهْدَ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ حَيٌّ لَيَتَّبِعَنَّهُ وَأَخَذَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى أُمَّتِهِ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وهم أحياء ليتبعنه وينصرنه.(تفسير ابن كثير 4/ 460)
* قال الشيخ محمد العثيمين
يقول تعالى مخبراّ عن عناد بني إسرائيل المتقدمين الذين دعاهم عيسى ابن مريم ,وقال لهم
ـ قوله تعالى(إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ) أي: أرسلني الله لأدعوكم إلى الخير وأنهاكم عن الشر ,وأيدني بالبراهين الظاهرة .
ـ قوله تعالى (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ) أي: جئت بما جاء به موسى من التوراة والشرائع السماوية ,ولو كنت مدعياّ للنبوة ,لجئت بغير ما جاءت به المرسلون ,ومصدقاّ لما بين يدي من التوراة أيضا, أنها أخبرت بي وبشرت ,فجئت وبعثت مصداقاّ لها .
ـ قوله تعالى (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) وهو محمدا صل الله عليه وسلم الذي بشر به عيسى .
فعيسى عليه السلام كالأنبياء يصدق بالنبي السابق ,ويبشر بالنبي اللاحق ,
بخلاف الكذابين فإنهم يناقضون الأنبياء أشد مناقضه ,ويخالفونهم في الأوصاف والأخلاق ,والأمر والنهي .
ـ قوله تعالى (فَلَمَّا جاءَهُمْ) محمد صل الله عليه وسلم الذي بشر به عيسى.
ـ قوله تعالى (بِالْبَيِّناتِ) أي: الأدلة الواضحة الدالة على أنه هو ,وانه رسول الله حقا.
ـ قوله تعالى (قالُوا) معاندين للحق مكذبين له.
ـ قوله تعالى (هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) وهذا من أعجب العجائب ,الرسول الذي قد وضحت رسالته وصارت أبين من الشمس النهار ,يجعل ساحرا بيناّ سحره
فهل في الخذلان أعظم من هذا ؟
وهل في الافتراء أعظم من هذا الافتراء الذي نفى عنه ما كان معلوما من رسالته , وأثبت له ما كان أبعد الناس منه ؟(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 339)
2) مسائل العقيدة في الآيات .
* تكفل الله بنصر دينه :
في قوله تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) سورة الصف(7ـ 9)
* قال ابن كثير :
ـ قوله تعالى(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِمَّنْ يَفْتَرِي الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ وَيَجْعَلُ لَهُ أَنْدَادًا وَشُرَكَاءَ.
ـ قوله تعالى (وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ ) وَهُوَ يُدْعَى إِلَى التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ. (تفسير ابن كثير 4/461ـ 462)
* قال محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) الذين لا يزالون على ظلمهم مستقيمين ,لا تردهم عنه موعظة ولا يزجرهم بيان ولا برهان .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 339)
* قال ابن كثير :
ـ قوله تعالى (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ) أَيْ يُحَاوِلُونَ أَنْ يَرُدُّوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ
وَمَثَلُهُمْ فِي ذَلِكَ كَمَثَلِ:
مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُطْفِئَ شُعَاعَ الشَّمْسِ بِفِيهِ، وَكَمَا أن هذا مستحيل كذاك ذلك مستحيل.(تفسير ابن كثير 4/462)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
ـ قوله تعالى (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ) أي: قد تكفل الله بنصر دينه ,وإتمام الحق الذي أرسل به رسله ,وإشاعة نوره على سائر الأقطار ولو كره الكافرون ,وبذلوا بسبب كراهتهم كل سبب يتواصلون به إلى إطفاء نور الله فإنهم مغلوبون .
ثم ذكر سبب الظهور والانتصار للدين الإسلامي ,الحسي والمعنوي
فقال تعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ) أي: بالعلم النافع والعمل الصالح
ـ قوله تعالى (بِالْهُدى) بالعلم الذي يهدي إلى الله وإلى دار كرامته , ويهدي إلى مصالح الدنيا والآخرة.
ـ قوله تعالى (وَدِينِ الْحَقِّ) أي :الدين الذي يدان به ,ويتعبد لرب العالمين الذي هو حق وصدق ,لا نقص فيه ,ولا خلل يعتريه ,بل أوامره غذاء القلوب والأرواح ,وراحة الأبدان ,وترك نواهيه سلامة من الشر والفساد.
فما بعث به النبي صل الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق ,أكبر دليل وبرهان على صدقه وهو برهان باق ما بقي الدهر .
ـ قوله تعالى (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) أي: ليعليه على سائر الأديان بالحجة والبرهان .
فأما الدين:
فهذا الوصف ملازم له في كل وقت ,فلا يمكن أن يغالبه مغالب ,وصار له الظهور والقهر
وأما المنتسبون إليه:
ـ فإنهم إذا قاموا به, واستناروا بنوره واهتدوا بهديه ,في مصالح دينهم ودنياهم ,فكذلك لا يقوم لهم أحد ,ولابد أن يظهروا على أهل الأديان.
ـ وإذا ضيعوه واكتفوا منه بمجرد الانتساب إليه ,لم ينفعهم ذلك ,وصار إهمالهم له سبب تسليط الأعداء عليهم.
ويعرف هذا من استقر الأحوال ونظر في أول المسلمين آخرهم .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 393ـ 340)
3) الوعد والوعيد في الآيات.
* الوعد في الآيات:
في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) سورة الصف(10ـ 13)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
هذه وصية دلالة وإرشاد من أرحم الراحمين لعباده المؤمنين ,لأعظم تجارة وأجل مطلوب , يحصل بها النجاة من العذاب الأليم ,والفوز بالنعيم المقيم.
ما هذه التجارة التي هذا قدرها ؟
فقال تعالى (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) أن الإيمان التام هو التصديق الجازم بما أمر الله بالتصديق به ,المستلزم لأعمال الجوارح ,ومن أجل أعمال الجوارح الجهاد في سبيل الله .
ـ فلهذا قوله تعالى (وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) بأن تبذلوا نفوسكم ومهجكم ,لمصادمة أعداء الإسلام ,والقصد نصر دين الله وإعلاء كلمته ,وتنفقون ما تيسر من أموالكم في ذلك المطلوب ,فإن ذلك ,ولوكان كريهاّ للنفوس شاقاّ عليها فإنه
ـ قوله تعالى (خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) فإن فيه الخير الدنيوي من النصر على العداء ,والعز المنافي للذل والرزق الواسع ,وسعة الصدر وانشراحه, وفي الآخرة الفوز بثواب الله والنجاة من عقابه .
ولهذا ذكر الجزاء في الآخرة :
ـ قوله تعالى (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) وهذا شامل للصغائر والكبائر ,فإن الإيمان بالله والجهاد في سبيله ,مكفر للذنوب ولو كانت كبائر .
ـ قوله تعالى (وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي: من تحت مساكنها وقصورها وغرفها وأشجارها ,أنهار من ماء غير آسن ,وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ,وأنهار من خمر لذة للشاربين ,وأنهار من عسل مصفى ,ولهم فيها من كل الثمرات .
ـ قوله تعالى (وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي: جمعت كل طيب ,علو وارتفاع ,وحسن بناء وزخرفة ,حتى إن أهل الغرف من أهل عليين ,يتراءاهم أهل الجنة كما يتراءى الكوكب الدري في الأفق الشرقي أو الغربي ,وحتى في بناء الجنة بعضه من لبن ذهب وبعضه من لبن فضة ,وخيامها من اللؤلؤ والمرجان , وبعض المنازل من الزمرد والجواهر الملونة بأحسن الألوان ,حتى إنها من صفاتها يرى ظاهرها من باطنها , وباطنها من ظاهرها , وفيها من الطيب والحسن مالا يأتي عليه وصف الواصفين , ولا خطر على قلب أحد من العالمين .
وأما الثواب الدنيوي لهذه التجارة :
ـ قوله تعالى (وَأُخْرى تُحِبُّونَها) ويحصل لكم خصلة أخرى تحبونها وهي:
ـ قوله تعالى (نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ ) لكم على الأعداء ,يحصل به العز والفرح
ـ قوله تعالى (وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ) تتسع به دائرة الإسلام ,ويحصل به الرزق الواسع ,فهذا جزاء المؤمنين المجاهدين ,وأما المؤمنون من غير أهل الجهاد, إذا قام غيرهم بالجهاد فلم يؤيسهم الله تعالى من فضله وإحسانه
ـ قوله تعالى (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) أي : بالثواب العاجل والآجل ,كل على حسب إيمانه ,وإن كانوا لا يبلغون مبلغ المجاهدين في سبيل الله .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 340ـ 341)
وعَنْ أبي هريرة، أنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ، قالَ:
«إنَّ في الجنَّةِ مائَةَ درجةٍ أعدَّهَا اللَّه للمُجَاهِدينَ في سبيلِ اللَّه مَا بيْن الدَّرجَتَينِ كَمَا بيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ». صحيح البخاري كتاب التوحيد باب {وكان عرشه على الماء} [هود: 7]، {وهو رب العرش العظيم} [التوبة: 129] حديث رقم 7027
4) مسائل العقيدة في الآيات .
* نصرة دين الله تعالى :
في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) سورة الصف(14)
* قال ابن كثير :
يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَكُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِمْ بِأَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَنْ يَسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ كَمَا اسْتَجَابَ الْحَوَارِيُّونَ لِعِيسَى حِينَ قَالَ:
ـ قوله تعالى( مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ ) أي من مُعِينِي فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟
ـ قوله تعالى ( قالَ الْحَوارِيُّونَ) وَهُمْ أَتْبَاعُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
ـ قوله تعالى( نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ) أَيْ نَحْنُ أَنْصَارُكَ عَلَى مَا أُرْسِلْتَ بِهِ .
وَهَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ:
«مَنْ رَجُلٌ يُؤْوِينِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي» « أخرجه أحمد في المسند 3/ 322، 339.
حَتَّى قَيَّضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَبَايَعُوهُ وَوَازَرُوهُ، وَشَارَطُوهُ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنَ الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ إِنْ هُوَ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَيْهِمْ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَفَّوْا لَهُ بِمَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ
وَلِهَذَا سَمَّاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ الْأَنْصَارَ وَصَارَ ذَلِكَ عَلَمًا عَلَيْهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عنهم وأرضاهم.(تفسير ابن كثير 4/ 462ـ 463)
وقوله تعالى( فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ ) أَيْ لَمَّا بَلَّغَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ الصلاة والسّلام رسالة ربه إلى قومه وآزره مَنْ وَازَرَهُ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ، اهْتَدَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ
وَضَلَّتْ طَائِفَةٌ فَخَرَجَتْ عَمَّا جَاءَهُمْ بِهِ وَجَحَدُوا نُبُوَّتَهُ وَرَمَوْهُ وَأُمَّهُ بِالْعَظَائِمِ، وَغَلَتْ فِيهِ طَائِفَةٌ ممن اتبعه حَتَّى رَفَعُوهُ فَوْقَ مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ النُّبُوَّةِ وَافْتَرَقُوا فِرَقًا وَشِيَعًا فَمِنْ قَائِلٍ مِنْهُمْ: إِنَّهُ ابْنُ اللَّهِ، وَقَائِلٍ إِنَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ: الْأَبِ وَالِابْنِ وَرُوحِ الْقُدُسِ، وَمِنْ قَائِلٍ إِنَّهُ اللَّهُ،
فَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَزَالُونَ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ، وَحَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمُ الدَّجَّالَ مَعَ الْمَسِيحِ عِيسَى ابنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا وَرَدَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ.(تفسير ابن كثير 4/ 462ـ463)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ) أي: قويناهم ونصرناهم عليهم
وقاهرين لهم .
ـ قوله تعالى (فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) فأنتم يا أمة محمد كونوا أنصار الله ودعاة دينه ينصركم الله كما نصر من قبلكم ,ويظهركم على عدوكم .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 341)
تم بحمد الله تفسير سورة الصف
صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق