السبت، 7 نوفمبر 2020


جزء قَدْ سَمِعَ (سورة الجمعة )

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ * مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سورة الجمعة (1ـ11)

                                                     

1) مسائل العقيدة في الآيات .

    1) تنزيه الله عن كل آفة ونقص:

في قوله تعالى (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)الجمعة :1

* قال الشيخ محمد العثيمين :

ـ قوله تعالى (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ )أي: يسبح لله ,وينقاد لأمره , ويعبده جميع ما في السموات والأرض .

ـ قوله تعالى (الْمَلِكِ ) لأنه الكامل الملك ,الذي له ملك العالم العلوي والسفلي ,فالجميع مماليكه ,وتحت تدبيره .

ـ قوله تعالى (الْقُدُّوسِ) العظيم المنزه عن كل آفة ونقص.

ـ قوله تعالى (الْعَزِيزِ) القاهر للأشياء كلها

ـ قوله تعالى (الْحَكِيمِ) في خلقه وأمره, فهذ الأوصاف العظيمة مما تدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/342)

                                           


2) بعثة النبي عليه الصلاة والسلام لجميع الخلق:

في قوله تعالى (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)سورة الجمعة (2ـ 4)

 * قال ابن كثير :

هَذِهِ الْآيَةُ هِيَ مِصْدَاقُ إِجَابَةِ اللَّهِ لِخَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ، حِينَ دَعَا لِأَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَبْعَثَ الله فيهم رسولا

وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا قَدِيمًا مُتَمَسِّكِينَ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَبَدَّلُوهُ وَغَيَّرُوهُ وَقَلَبُوهُ وَخَالَفُوهُ وَاسْتَبْدَلُوا بِالتَّوْحِيدِ شِرْكًا وَبِالْيَقِينِ شَكًّا، وَابْتَدَعُوا أَشْيَاءَ لم يأذن بها الله، وكذلك أهل الكتاب قَدْ بَدَّلُوا كُتُبَهُمْ وَحَرَّفُوهَا وَغَيَّرُوهَا وَأَوَّلُوهَا، فَبَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ بِشَرْعٍ عَظِيمٍ كَامِلٍ شَامِلٍ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ، فِيهِ هِدَايَتُهُمْ وَالْبَيَانُ لِجَمِيعِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ، وَالدَّعْوَةُ لَهُمْ إِلَى مَا يُقَرِّبُهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَرِضَا اللَّهِ عَنْهُمْ، وَالنَّهْيُ عَمَّا يقربهم إلى النار وسخط الله .(تفسير ابن كثير 4/ 464ـ465)

* قال الشيخ محمد العثيمين :

ـ قوله تعالى (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ) المراد بالأميين : الذين لا كتاب عندهم ,ولا أثر رسالة من العرب وغيرهم ,ممن ليسوا من أهل الكتاب .

منة الله على العرب:

فامتن الله عليهم منة عظيمة ,أعظم من منته على غيرهم ,لأنهم عادمون للعلم والخير, وكانوا في ضلال مبين ,يتعبدون للأشجار والأصنام والأحجار ,ويتخلقون بأخلاق السباع الضارية ,يأكل قويهم ضعيفهم ,وكانوا في غاية الجهل بعلوم الأنبياء ,فبعث الله فيهم رسولاّ منهم ,يعرفون نسبه ,وأوصافه الجميلة وصدقه ,وأنزل عليه كتابه .

ـ قوله تعالى (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ) القاطعة الموجبة للإيمان واليقين.

ـ قوله تعالى (وَيُزَكِّيهِمْ) بأن يحثهم على الأخلاق الفاضلة , ويفصلها لهم , ويزجرهم عن الأخلاق الرذيلة.

ـ قوله تعالى (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) أي: علم القرآن وعلم السنة ,المشتمل ذلك على علوم الأولين والآخرين , فكانوا بعد هذا التعليم والتزكية منه أعلم الخلق ,بل كانوا أئمة أهل العلم والدين , وأكمل الخلق أخلاقاّ , وأحسنهم هدياّ وسمتاّ, اهتدوا بأنفسهم ,وهدوا غيرهم ,فصاروا أئمة المهتدين ,وهداة المؤمنين ,فلله عليهم ببعثه هذا الرسول صل الله عليه وسلم ,أكمل نعمة ,وأجل منحة .

ـ قوله تعالى (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ)

أي: وامتن على آخرين من غيرهم أي: من غير الأدميين ممن يأتي من بعدهم, أي: فيمن باشر دعوة الرسول ويحتمل أنهم لما يلحقوا بهم في الفضل ,ويحتمل أن يكونوا لما يلحقوا بهم في الزمان.

وعلى كل , فكلا المعنيين صحيح

فإن الذين بعث الله فيهم رسوله وشاهدوه وباشروا دعوته ,حصل لهم من الخصائص والفضائل مالا يمكن أحداّ أن يلحقهم فيها .

ـ قوله تعالى (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) وهذا من عزته وحكمته ,حيث لم يترك عبادة هملاّ ولا سدى ,بل ابتعث فيهم الرسل ,وأمرهم ونهاهم .

ـ قوله تعالى (ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) وذلك من فضل الله العظيم ,الذي يؤتيه من يشاء من عباده ,وهو أفضل من نعمته عليهم بعافية البدن وسعة الرزق ,وغير ذلك ومن النعم الدنيوية ,فلا أعظم من نعمة الدين التي هي مادة الفوز ,والسعادة الأبدية .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 342)

 



                            

2) الأمثال القرآنية .

 * ذم العلم بلا عمل.

في قوله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)سورة الجمعة (5)

  * قال ابن كثير :

يَقُولُ تَعَالَى ذَامًّا لِلْيَهُودِ الَّذِينَ أُعْطُوا التَّوْرَاةَ وَحَمَلُوهَا لِلْعَمَلِ بها ثم لم يَعْمَلُوا بِهَا:

مَثَلُهُمْ فِي ذَلِكَ :

ـ قوله تعالى (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) أَيْ كَمَثَلِ الْحِمَارِ إِذَا حُمِّلَ كُتُبًا لَا يَدْرِي مَا فِيهَا، فَهُوَ يَحْمِلُهَا حَمْلًا حِسِّيًّا وَلَا يَدْرِي مَا عَلَيْهِ.

وَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ فِي حَمْلِهِمُ الْكِتَابَ الَّذِي أُوتُوهُ حَفِظُوهُ لَفْظًا وَلَمْ يَفْهَمُوهُ وَلَا عَمِلُوا بِمُقْتَضَاهُ، بَلْ أَوَّلُوهُ وَحَرَّفُوهُ وَبَدَّلُوهُ.(تفسير ابن كثير 4/ 466)

* قال الشيخ محمد العثيمين:

ذكر أن الذين حملهم الله التوراة من اليهود وكذا النصارى ,وأمرهم أن يتعلموها ويعملوا بما فيها ,وأنهم لم يحملوها ,ولم يقوموا بما حملوا به ,أنهم لا فضيلة لهم ,وأن مثلهم كمثل الحمار الذي يحمل فوق ظهره أسفاراّ من كتب العلم

فهل يستفيد ذلك الحمار من تلك الكتب التي فوق ظهره ؟ وهل يلحق به فضيلة بسبب ذلك؟ أم حظه منها حملها فقط ؟

فهذا مثل علماء اليهود الذين لم يعملوا بما في التوراة ,الذي من أجله وأعظمه الأمر باتباع محمد صل الله عليه وسلم والبشارة به ,والإيمان بما جاء به من القرآن .

ـ قوله تعالى (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ)الدالة على صدق رسولنا وصدق ما جاء به.

ـ قوله تعالى (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أي: لا يرشدهم إلى مصالحهم مادام الظلم لهم وصفاّ, والعناد لهم نعتاّ ومن ظلم اليهود وعناداهم ,أنهم يعلمون أنهم على اباطل ,ويزعمون أنهم على حق ,وأنهم أولياء الله من دون الناس.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/343)

                            

3)مسائل العقيدة في الآيات .

  * بيان بطلان من ادعى ولاية الله .

في قوله تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)سورة الجمعة (6ـ 8)

  * قال الشيخ محمد العثيمين:

أمر الله رسوله أن يقول لليهود :إن كنتم صادقين في زعمكم أنكم على الحق وأولياء الله

ـ قوله تعالى(فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) وهذا أمر خفيف ,فإنهم لو علموا أنهم على حق لما توقفوا عن هذا التحدي الذي جعله الله دليلاّ على صدقهم إن تمنوه ,وكذبهم إن لم يتمنوه ,ولما لم يقع منهم مع الإعلان لهم بذلك ,علم أنهم عالمون ببطلان ما هم عليه وفساده.

ـ قوله تعالى (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) أي: من الذنوب والمعاصي ,التي يستوحشون من الموت من أجلها .

ـ قوله تعالى (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) فلا يمكن أن يخفى عليه من ظلمهم شيء ,هذا وإن كانوا لا يتمنون الموت  بما قدمت أيديهم ,ويفرون منه غاية الفرار ,فإن ذلك  لا ينجيهم ,بل لابد أن يلاقيهم الموت الذي قد حتمه الله على العباد وكتبه عليهم .

ـ قوله تعالى (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)

ثم بعد الموت واستكمال الآجال , يرد الخلق كلهم يوم القيامة إلى عالم الغيب والشهادة ,فينبئهم بما كانوا يعملون , من خير وشر , قليل وكثير .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/343)

* قال ابن كثير :

هَذِهِ الْمُبَاهَلَةِ لِلْيَهُودِ، حَيْثُ قَالَ تَعَالَى

( قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)سورة البقرة :94)

 * قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ :

 : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَزِيدَ الرَّقِّيُّ، أَبُو يَزِيدَ، حَدَّثَنَا فُرَاتٌ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مَالِكٍ الْجَزَرِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:

قَالَ أَبُو جَهْلٍ :إِنْ رَأَيْتُ مُحَمَّدًا عِنْدَ الْكَعْبَةِ لَآتِيَنَّهُ حَتَّى أَطَأَ عَلَى عُنُقِهِ، قَالَ:

 فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«لَوْ فَعَلَ لَأَخَذَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عِيَانًا وَلَوْ أَنَّ الْيَهُودَ تَمَنَّوُا الْمَوْتَ لَمَاتُوا وَرَأَوْا مَقَاعِدَهُمْ مِنَ النَّارِ، وَلَوْ خَرَجَ الَّذِينَ يُبَاهِلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَرَجَعُوا لَا يَجِدُونَ أهلا ولا مالا» أخرجه البخاري في تفسير سورة 96، في الترجمة، والترمذي في تفسير سورة 96، باب 1.(تفسير ابن كثير 4/466)

                               

4)الأحكام الشرعية في الآيات .

     *وجوب صلاة الجمعة :

في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) سورة الجمعة (9ـ 10)

  * قال ابن كثير :

إِنَّمَا سُمِّيَتِ الْجُمُعَةُ جُمُعَةً لِأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْجَمْعِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْإِسْلَامِ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً بِالْمَعَابِدِ الْكِبَارِ، وَفِيهِ كَمُلَ جَمِيعُ الْخَلَائِقِ فَإِنَّهُ الْيَوْمُ السَّادِسُ مِنَ السِّتَّةِ التي خلق الله فيها السموات وَالْأَرْضَ، وَفِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ منها وفيه تقوم الساعة، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، كَمَا ثَبَتَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ.

وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالِاجْتِمَاعِ لِعِبَادَتِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

فَقَالَ تَعَالَى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ) أي اقصدوا واعمدوا واهتموا في سيركم إليها، وليس المراد بالسعي هاهنا الْمَشْيُ السَّرِيعُ وَإِنَّمَا هُوَ الِاهْتِمَامُ بِهَا.

فَأَمَّا الْمَشْيُ السَّرِيعُ إِلَى الصَّلَاةِ فَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ

 لِمَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ:

 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

«إِذَا سَمِعْتُمُ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ وَلَا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» « أخرجه البخاري في الأذان باب 20، ومسلم في المساجد حديث 151، 152.

ـ  قَوْلُهُ تَعَالَى( إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ )

الْمُرَادُ بِهَذَا النِّدَاءِ:

 هُوَ النِّدَاءُ الثَّانِي الَّذِي كَانَ يُفْعَلُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَإِنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ يُؤَذَّنُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ.

فَأَمَّا النِّدَاءُ الْأَوَّلُ الَّذِي زَادَهُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِنَّمَا كَانَ هَذَا لِكَثْرَةِ النَّاسِ

كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ هُوَ ابْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ:

 كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلَهُ إِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ بَعْدَ زَمَنٍ وَكَثُرَ النَّاسُ، زَادَ النِّدَاءَ الثَّانِيَ عَلَى الزَّوْرَاءِ , يَعْنِي يُؤَذَّنُ بِهِ عَلَى الدَّارِ الَّتِي تُسَمَّى بِالزَّوْرَاءِ، وَكَانَتْ أَرْفَعَ دَارٍ بِالْمَدِينَةِ بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ. « أخرجه البخاري في الجمعة باب 21، وابن ماجة في الإقامة باب 97.

وقوله تعالى( وَذَرُوا الْبَيْعَ أَيِ اسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) وَاتْرُكُوا الْبَيْعَ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ، وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى تَحْرِيمِ الْبَيْعِ بَعْدَ النِّدَاءِ الثَّانِي.

وقوله تعالى( ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أَيْ تَرْكُكُمُ الْبَيْعَ وَإِقْبَالُكُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَإِلَى الصَّلَاةِ خَيْرٌ لَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إن كنتم تعلمون.

وقوله تعالى( فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ) أَيْ فُرِغَ مِنْهَا فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ لَمَّا حَجَرَ عَلَيْهِمْ فِي التَّصَرُّفِ بَعْدَ النِّدَاءِ وَأَمَرَهُمْ بِالِاجْتِمَاعِ أَذِنَ لَهُمْ بَعْدَ الْفَرَاغِ فِي الِانْتِشَارِ فِي الْأَرْضِ وَالِابْتِغَاءِ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ.(تفسير ابن كثير 4/ 469)


                                                     

  5) سبب نزول هذه الآية:

في قوله تعالى (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)سورة الجمعة (11)

* قال ابن كثير :

جابر قال: قدمت عير مرة الْمَدِينَةَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَخَرَجَ النَّاسُ وَبَقِيَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا

فَنَزَلَتْ (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) أخرجه البخاري في تفسير سورة 62، باب 2، ومسلم في الجمعة حديث 36- 39.

* قال الشيخ محمد العثيمين :

ـ قوله تعالى(وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) أي: خرجوا من المسجد حرصا على ذلك اللهو ,وتلك التجارة وتركوا الخير .

ـ قوله تعالى (وَتَرَكُوكَ قائِماً) تخطب الناس ,وذلك في يوم الجمعة ,بينما النبي صل الله عليه وسلم يخطب ,إذ قدم المدينة ,عير تحمل تجارة ,فلما سمع الناس بها ,وهم في المسجد ,انفضوا من المسجد وتركوا النبي صل الله عليه وسلم يخطب استعجالا ّلما لا ينبغي أن يستعجل له .

ـ قوله تعالى (قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ) من الأجر والثواب ,لمن لازم الخير وصبر نفسه على عبادة الله.

ـ قوله تعالى (خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ) التي وإن حصل منها بعض المقاصد ,فإن ذلك قليل منغص ,مفوت لخير الآخرة ,وليس الصبر على طاعة الله مفوتاّ للرزق ,فإن الله خير الرازقين فمن اتقى الله رزقه من حيث لا يحتسب .

الأحكام الشرعية في هذه الآيات

1/ أن الجمعة فريضة على جميع المؤمنين ,يجب عليهم السعي لها ,والمبادرة والاهتمام بشأنها.

2/ أن الخطبتين يوم الجمعة فريضتان يجب حضورهما , لأنه فسر الذكر هنا بالخطبتين , فأمر الله بالمضي إليه والسعي له.

3/ مشروعية النداء ليوم الجمعة ,والأمر به.

4/ النهي عن البيع والشراء بعد نداء الجمعة ,وتحريم ذلك, وما ذاك إلا لأنه يفوت الواجب ويشغل عنه ,فدل ذلك على أن كل أمر ولو كان مباحاّ في الأصل ,إذا كان ينشأ عنه تفويت واجب ,فإنه لا يجوز.

5/ الأمر بحضور الخطبتين يوم الجمعة ,وذم من لم يحضرهما ,ومن لازم ذلك الإنصات لهما .

6/ أنه ينبغي للعبد المقبل على عبادة الله ,وقت دواعي النفس لحضور اللهو والتجارات والشهوات أن يذكرها بما عند الله من الخيرات ,وما لمؤثر رضاه على هواه.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 344)

تم بحمد الله تفسير سورة الجمعة

صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  جزء الرابع والعشرون سورة الزمر (3) قــال تـعــالـى ﴿ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَ...