جزء قَدْ سَمِعَ (سورة الطلاق (2)
قــــال تـــعـــالـــى
(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى * لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً * وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً * فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً * اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) سورة الطلاق(6ـ 12)
1) الأحكام الشرعية في الآيات:
* أحكام المطلقة:
في قوله تعالى (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى * لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً ) سورة الطلاق(6ـ 7)
* قال ابن كثير :
يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا عِبَادَهُ إِذَا طَلَّقَ أَحَدُهُمُ الْمَرْأَةَ أَنْ يُسْكِنَهَا فِي مَنْزِلٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا .
ـ قوله تعالى (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ أَيْ عِنْدَكُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ)
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: يَعْنِي سَعَتِكُمْ.
حَتَّى قَالَ قَتَادَةُ: إِنْ لَمْ تَجِدْ إِلَّا جَنْبَ بَيْتِكَ فأسكنها فيه.
ـ قوله تعالى (وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ )
قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: يَعْنِي يُضَاجِرُهَا لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَالِهَا أَوْ تَخْرُجَ مِنْ مَسْكَنِهِ.
* قال الشيخ محمد العثيمين :
أن الله نهى عن إخراج المطلقات من البيوت وهنا أمر بإسكانهن وقدر الإسكان بالمعروف ,وهو البيت الذي يسكنه مثله ومثلها ,بحسب وجد الزوج وعسره .
ـ قوله تعالى (وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ) أي لا تضاروهن عند سكناهن بالقول أو الفعل ,لأجل أن يمللن فيخرجن من البيوت قبل تمام العدة , فتكونوا أنتم المخرجين لهن .
وحاصل هذا:
أنه نهى عن إخراجهن , ونهاهن عن الخروج , وأمر بسكناهن على وجه لا يحصل به عليهن ضرر ولا مشقة وذلك راجع إلى العرف.
ـ قَوْلُهُ تعالى (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)
ـ وذلك لأجل الحمل الذي في بطنها ,إن كانت بائناّ.
ـ ولها ولحملها إن كانت رجعية.
ومنتهى النفقة حتى يضعن حملهن فإذا وضعن حملهن ,فإما أن يرضعن أولادهن أو لا .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 355)
* قال ابن كثير:
ـ قوله تعالى (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ ) أَيْ إِذَا وَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَهُنَّ طَوَالِقُ فَقَدْ بِنَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهِنَّ وَلَهَا حِينَئِذٍ أَنْ تُرْضِعَ الْوَلَدَ وَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْهُ
وَلَكِنْ بَعْدَ أَنْ تُغَذِّيَهُ بِاللِّبَإِ، وَهُوَ باكورة اللبن الذي لا قوام للمولود غالبا إلا به
فإن أرضعت استحقت أجرة مِثْلِهَا، وَلَهَا أَنْ تُعَاقِدَ أَبَاهُ أَوْ وَلِيَّهُ عَلَى مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَةٍ, وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)
ـ قوله تعالى(وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ) أَيْ: وَلْتَكُنْ أُمُورُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ إِضْرَارٍ وَلَا مُضَارَّةٍ.
ـ قوله تعالى (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى) أَيْ وَإِنِ اختلف الرجل والمرأة فطلبت المرأة في أُجْرَةَ الرَّضَاعِ كَثِيرًا، وَلَمْ يُجِبْهَا الرَّجُلُ إِلَى ذَلِكَ أَوْ بَذَلَ الرَّجُلُ قَلِيلًا وَلَمْ تُوَافِقْهُ عَلَيْهِ
فَلْيَسْتَرْضِعْ لَهُ غَيْرَهَا، فَلَوْ رَضِيَتِ الْأُمُّ بما استؤجرت به الأجنبية فهي أحق بولدها.(تفسير ابن كثير 4/ 490ـ491)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ثم قدر تعالى النفقة بحسب حال الزوج
فقال تعالى( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) أَيْ : لينفق الغني من غناه ,فلا ينفق نفقة الفقراء .
ـ قوله تعالى (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ) أي: ضيق عليه .
ـ قوله تعالى (فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ ) من الرزق .
ـ قوله تعالى (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتاها) وهذا مناسب للحكمة والرحمة الإلهية حيث جعل كلا بحسبه ,وخفف عن المعسر ,وأنه لا يكلفه إلا ما آتاه ,فلا يكلف الله نفساّ إلا وسعها ,في باب النفقة وغيرها.
ـ قوله تعالى (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) وهذه بشارة للمعسرين ,أن الله تعالى سيزيل عنهم الشدة ,ويرفع عنهم المشقة . (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 356)
2) الوعد والوعيد في الآيات.
* ما فُعل في الأمم السابقة:
في قوله تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً * فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبابِ )سورة الطلاق (8ـ 10)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
يخبر تعالى عن إهلاكه الأمم العاتية ,والقرون المكذبة للرسل أن كثرتهم وقوتهم لم تنفعهم شيئاّ ,حين جاءهم الحساب الشديد والعذاب الأليم, وأن أذاقهم من العذاب ما هو موجب أعمالهم السيئة ومع عذاب الدنيا ,فإن الله أعد لهم في الآخرة عذابا شديدا ّ.
ـ قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبابِ) أي: ياذوي العقول ,التي تفهم عن الله آياته وعبره ,وأن الذي أهلك القرون الماضية بتكذيبهم , أن من بعدهم مثلهم ,لا فرق بين الطائفتين . .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 356)
* الوعد في الآيات:
في قوله تعالى(الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً )سورة الطلاق (10ـ 11)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ثم ذكر عباده المؤمنين بما أنزل عليهم من كتابه , الذي أنزله على رسوله محمد صل الله عليه وسلم ,ليخرج الخلق من ظلمات الكفر والجهل والمعصية إلى نور العلم والإيمان والطاعة .
فمن الناس , من آمن به ومنهم من لم يؤمن به
ـ قوله تعالى(وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً) من الواجبات والمستحبات
ـ قوله تعالى (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ) فيها من النعيم المقيم ,مالا رأت ولا أذن سمعت ,ولا خطر على قلب بشر.
ـ قوله تعالى (خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً) أي: ومن لم يؤمن بالله ورسوله ,فأولئك أصحاب النار , هم فيها خالدون.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 356)
3) مسائل العقيدة في الآيات .
* قدرة الله التامة وسلطانه العظيم:
في قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً. (سورة الطلاق ـ 12)
* قال ابن كثير :
ـ قوله تعالى(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ ) يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ قُدْرَتِهِ التَّامَّةِ وَسُلْطَانِهِ الْعَظِيمِ لِيَكُونَ ذَلِكَ بَاعِثًا عَلَى تَعْظِيمِ مَا شَرَعَ مِنَ الدِّينِ الْقَوِيمِ
كَقَوْلِهِ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ نُوحٍ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً )[نوح: 15]
ـ قَوْلُهُ تَعَالَى( وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) أَيْ سَبْعًا أَيْضًا.
كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ :
«مَنْ ظَلَمَ قَيْدَ شِبْرٍ مِنَ الْأَرْضِ طُوِّقَهُ من سبع أرضين» « أخرجه البخاري في بدء الخلق باب 2، ومسلم في المساقاة حديث 137، 142.
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى(يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ ) وأنزل الأمر وهو الشرائع والأحكام الدينية التي أوحاها إلى رسله لتذكير العباد ووعظهم , وكذلك الأوامر الكونية والقدرية التي يدبر بها الخلق .
ـ قوله تعالى(لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) كل ذلك لأجل أن يعرفه العباد ويعلموا إحاطة قدرته بالأشياء كلها .
ـ قوله تعالى (وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) وإحاطة علمه بجميع الأشياء ,فإذا عرفوه بأوصافه المقدسة وأسمائه الحسنى وعبدوه وأحبوه وقاموا بحقه.
فهذه الغاية المقصودة من الخلق والأمر : معرفة الله وعبادته
فقام بذلك الموفقون من عباد الله الصالحين ,وأعرض عن ذلك الظالمون المعرضون .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 356)
تم بحمد الله تفسير سورة الطلاق
صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق