الأحد، 22 نوفمبر 2020


تفسير جزء الذاريات (سورة الذاريات (1)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالذَّارِياتِ ذَرْواً * فَالْحامِلاتِ وِقْراً * فَالْجارِياتِ يُسْراً * فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً * إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ * وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ * إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ * قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ * يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ * ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) سورة الذاريات (1ـ14)

                                                           

1) مسائل العقيدة في الآيات .

* أقسم الله تعالى بهذه المخلوقات لأنها دالة على عظمته تبارك وتعالى:

في قوله تعالى (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً * فَالْحامِلاتِ وِقْراً * فَالْجارِياتِ يُسْراً * فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً * إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ * وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ)سورة الذاريات (1ـ 7)

* قال الشيخ محمد العثيمين :

أقسم الله تعالى بهذه المخلوقات لأنها دالة على عظمته تبارك وتعالى، ولما فيها من المصالح والمنافع.

ـ قوله تعالى {وَالذَّارِياتِ ذَرْواً} فالذاريات هي الرياح تذر التراب وغير التراب،

وأقسم الله بالذاريات لما فيها من المصالح الكثيرة:

ففي تصريفها حكمة بالغة، فمنها الرياح الدافئة، ومنها الرياح الباردة، على حسب ما تقتضيه حكمة الله عز وجل

ولأن الرياح تثير سحاباً فيسقي به الله الأرض؛ ولأنها تسير السفن، ففيما سبق كانت السفن تجري على الرياح.

ـ قوله تعالى{ فَالْحامِلاتِ} المراد بها السحاب، تحمل المياه.

ـ قوله تعالى (وِقْراً ) موقرة، أي: مثقلة محملة  بمياه عظيمة بحار، ولذلك تمطر فتجري الأرض أنهاراً بإذن الله عز وجل.

                     الذاريات: الرياح، والحاملات: السحب

                            والارتباط بينهما ظاهر

ـ لأن الرياح هي التي تثير.

ـ السحاب وهي التي تلقح السحاب بالماء.

ـ قوله تعالى { فَالْجارِياتِ} هن السفن

ـ قوله تعالى { يُسْراً} أي: بسهولة

هذه السفينة ميسرة بإذن الله عز وجل بما يسره الله تعالى من الرياح الطيبة، وكلما كانت الريح مناسبة كان سيرها أيسر.

والآن جاءت السفن النارية التي لا تحتاج إلى الرياح فصارت أيسر وأيسر، تجدها قرى كاملة تمخر عباب الماء وتسير بسهولة.

         فالذاريات: الرياح، والحاملات: السحب, والجاريات: السفن

                       والارتباط بين هذه الثلاثة

 أن الرياح تحمل الأمطار.

أن السحب تحمل الأمطار، فتنزل إلى الأرض، فيكون الرزق للمواشي والآدميين.

 أن السفن، هي أيضاً تحمل الأرزاق من جهة إلى جهة، فلا يمكن أن تصل الأرزاق من جهة إلى جهة أخرى بينها وبينها بحر إلا عن طريق السفن.

ـ قوله تعالى { فَالْمُقَسِّماتِ } وهم الملائكة، وجمعهم لأنه يجوز جمع المؤنث باعتبار الجماعات، أي: فالجماعات المقسمات

ـ قوله تعالى { أَمْراً} التي تقسم الأمر، أي: شئون الخلق، بأمر الله.

 فإن الملائكة عليهم الصلاة والسلام يقسمون من أرزاق الخلق وغيرها بأمر الله عز وجل .

هذه أربع جمل: الذاريات، الحاملات، الجاريات، المقسمات

كل هذه مقسم بها.

  والمقسم عليه:

قوله تعالى { إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ} يعني ما وعدكم الله تعالى فهو وعد صادق، والصادق هو المطابق للواقع

فأقسم الله - عز وجل - بهذه المخلوقات على إنما نوعد صادق. فلابد أن يقع

 إذا وقع ما نوعد، وهو البعث يوم القيامة .

ولهذا قال تعالى { وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ } الدين يعني الجزاء.

والدين يطلق أحياناً بمعنى الجزاء، وأحياناً بمعنى العمل .

 ـ قوله تعالى { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ }الكافرون :6 المراد به العمل.

ـ قوله تبارك وتعالى{ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }الفاتحة :4 المراد به الجزاء.

وهنا قال تعالى { وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ }أي الجزاء لابد أن يقع، لأن الله على كل شيء قدير. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 176ـ177)

* قال ابن كثير :

ـ قَالَ تعالى(وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ)

ـ قال ابن عباس: ذات الجمال والبهاء وَالْحُسْنِ وَالِاسْتِوَاءِ.

ـ قَالَ الضَّحَّاكُ وَالْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو وَغَيْرُهُمَا : مِثْلُ تَجَعُّدِ الْمَاءِ وَالرَّمْلِ وَالزَّرْعِ، إِذَا ضَرَبَتْهُ الرِّيحُ فينسج بعضه بعضا طَرَائِقَ، فَذَلِكَ الْحُبُكُ.(تفسير ابن كثير 4/295)

* قال الشيخ محمد العثيمين :

ذات: بمعنى صاحبة {الحبك} يعني الطرق، أي: أنها من حسنها كأنها ذات طرق محبوكة متقنة.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 177)

                               



* تكذيب المشركين للحق وللرسول عليه الصلاة والسلام.

في قوله تعالى ( إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) سورة الذاريات (8ـ9)

* قال ابن كثير :

ـ قوله تعالى(إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ ) أَيْ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ الْمُكَذِّبُونَ لِلرُّسُلِ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ مُضْطَرِبٍ لَا يَلْتَئِمُ وَلَا يَجْتَمِعُ.

ـ قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّكُمْ لفي قول مختلف مَا بَيْنَ مُصَدِّقٍ بِالْقُرْآنِ وَمُكَذِّبٍ بِهِ.

ـ قوله تعالى (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) أَيْ إِنَّمَا يُرَوَّجُ عَلَى مَنْ هُوَ ضَالٌّ فِي نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ قَوْلٌ بَاطِلٌ إِنَّمَا يَنْقَادُ لَهُ وَيَضِلُّ بِسَبَبِهِ.(تفسير ابن كثير 4/ 295)

* قال الشيخ محمد العثيمين :

ـ قوله تعالى(إِنَّكُمْ) الخطاب للكافرين.

 ـ قوله تعالى(لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) يعني يختلف بعضه عن بعض.

فبعض الكفار قالوا للرسول عليه الصلاة والسلام: إنه مجنون، وبعضهم قالوا: إنه ساحر، وبعضهم قالوا: إنه كاهن، وبعضهم قالوا: إنه شاعر، وبعضهم قالوا: إنه كذاب، فهم مختلفون في النبي صلى الله عليه وسلم، واختلاف الأقوال يدل على كذبها وفسادها، لأن الحق لا يمكن أن يتناقض. فهؤلاء المكذبون للرسول عليه الصلاة والسلام  اختلفوا هذا الاختلاف.

ـ قوله تعالى (يُؤْفَكُ) بمعنى يصرف.

ـ قوله تعالى {عَنْهُ}

 قيل: إن الضمير يعود على الرسول عليه الصلاة والسلام، أي يصرف عن الرسول صلى الله عليه وسلم من صرف من الناس.

وقيل: إن الضمير يعود على القوم

والأقرب : أن الضمير يعود على القوم .

ـ قوله تعالى{ مَنْ أُفِكَ} أي من صرف عن الحق.

 وذلك في الحديث الصحيح : من حديث ابن عمر رضي الله عنهما‏

 قوله صلى الله عليه وسلم‏‏

« ‏إن من البيان لسحرًا » أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب الخطبة (5146) .

 فإذا جاءك رجل بليغ فصيح، وصار يورد عليك الشبهات والشكوك ألست تنخدع بقوله؟

بلى، فهؤلاء المكذبون للرسول عليه الصلاة والسلام عندهم فصاحة وبلاغة وتمويه ودجل، فيصرفون الناس.

وقوله تعالى{ مَنْ أُفِكَ} فإن هؤلاء الذين يضلون الناس لا يمكن أن يضلوهم إلا بإذن الله

 فهم الذين يأفكون الناس أي: يصرفونهم فهم السبب، لكن المقدر للصرف هو الله.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 177)

كما قال تعالى { وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ }الزمر(36ـ 37)

                              

2) الوعد والوعيد في الآيات :

     * الوعيد في الآية :

في قوله تعالى (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ * يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ * ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ)سورة الذاريات (10ـ 14)

* قال الشيخ محمد العثيمين :

ـ قال تعالى { قُتِلَ } : أهلك.

ـ قال تعالى { الْخَرَّاصُونَ } جمع خراص، وهو الذي يتكلم بالظن والتخمين والارتياب والشك، لأنه منغمر في الجهل والسهو والغفلة.

* ولهذا وصفهم:

 ـ قال تعالى { الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ } أي في غمرة من الجهل، قد أحاط بهم الجهل من كل جانب.

ـ قال تعالى { ساهُونَ } غافلون، لا يحاولون أن يقبلوا على ما أنزل الله على رسله  عليهم الصلاة والسلام.

ـ قال تعالى {يسئلون أيان يوم الدين}سؤال استبعاد وإنكار، لو كانوا يسألون سؤال استعلام واستخبار، لعذروا.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 177)

* قال ابن كثير :

ـ قَالَ تَعَالَى( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ)

 ـ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: يُفْتَنُونَ يعذبون. كَمَا يُفْتَنُ الذَّهَبُ عَلَى النَّارِ.

 ـ قَالَ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ كَمُجَاهِدٍ أَيْضًا وَعِكْرِمَةَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: يُفْتَنُونَ يُحْرَقُونَ

ـ قَالَ تَعَالَى ( ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ)

 ـ قَالَ مُجَاهِدٌ: حَرِيقَكُمْ.

 ـ قَالَ غَيْرُهُ: عَذَابَكُمْ.

ـ قَالَ تَعَالَى (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ) أَيْ يُقَالُ لهم ذلك تقريعا وتوبيخا وتحقيرا وتصغيرا.(تفسير ابن كثير 4/ 295ـ296)

صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  جزء الرابع والعشرون سورة الزمر (3) قــال تـعــالـى ﴿ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَ...