الجمعة، 16 أكتوبر 2020


جزء تبارك (سورة المرسلات (2)

قـــــال تـــعــــالــى

(انْطَلِقُوا إِلى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ * لَا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ * إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ * وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ  * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ* فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ* وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ * وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ *  وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)سورة المرسلات (29ـ 50)



                                                

1) الوعد والوعيد في الآيات.

    * الوعيد في الآيات:

في قوله تعالى (انْطَلِقُوا إِلى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ *  لَا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ * إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ * وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ * فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)سورة المرسلات (29ـ 40)

* قال ابن كثير:

يقول تعالى مخبرا عن الكفار الْمُكَذِّبِينَ بِالْمَعَادِ وَالْجَزَاءِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ أَنَّهُمْ يُقَالُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:

ـ قوله تعالى(انْطَلِقُوا إِلى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) يَعْنِي لَهَبُ النَّارِ إِذَا ارْتَفَعَ وَصَعِدَ مَعَهُ دُخَانٌ فَمِنْ شِدَّتِهِ وَقُوَّتِهِ أَنَّ لَهُ ثَلَاثِ شُعَبٍ

ـ قوله تعالى (لَا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ) أَيْ ظِلُّ الدُّخَانِ الْمُقَابِلُ لِلَّهَبِ لَا ظَلِيلٌ هُوَ فِي نَفْسِهِ، وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ يَعْنِي وَلَا يَقِيهِمْ حَرَّ اللَّهَبِ.

ـ (قَوْلُهُ تعالى: إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ) كَالْقَصْرِ أَيْ يَتَطَايَرُ الشَّرَرُ مِنْ لَهَبِهَا كَالْقَصْرِ.

 قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كَالْحُصُونِ.

وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وَمَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَغَيْرِهِمْ: يَعْنِي أصول الشجر.

ـ قوله تعالى (كأنه جمالات صُفْرٌ) أَيْ كَالْإِبِلِ السُّود.

 قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَعَنِ ابْنِ عباس ومجاهد وسعيد بن جبير: جمالات صُفْرٌ يَعْنِي حِبَالُ السُّفُنِ.

 وَعَنْهُ أَعْنِي ابْنَ عباس: جِمالَتٌ صُفْرٌ قِطَعُ نُحَاسٍ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ  : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى أنبأنا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ قَالَ:

سمعت ابن عباس رضي الله عنهما إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ قَالَ:

 كُنَّا نَعْمِدُ إِلَى الْخَشَبَةِ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ وَفَوْقَ ذَلِكَ فَنَرْفَعُهُ للبناء فنسميه القصر كأنه جمالات صُفْرٌ حِبَالُ السُّفُنِ تُجْمَعُ حَتَّى تَكُونَ كَأَوْسَاطِ الرجال.( كتاب التفسير، تفسير سورة 77، باب 2، 3.(تفسير ابن كثير 4/ 591)

* قال الشيخ محمد العثيمين:

ـ قوله تعالى (إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ)

ثم ذكر عظم شرر النار , الدال على عظمها وفظاعتها وسوء منظرها , وهذا يدل على أن النار مظلمة ,لهبها وجمرها وشررها , وأنها سوداء ,كريهة المرأى ,شديدة الحرارة ,نسأل الله العافية منها .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 401)

* قال ابن كثير :

ـ قوله تعالى (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ) أَيْ لَا يَتَكَلَّمُونَ.

ـ قوله تعالى (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) أَيْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْكَلَامِ .

ـ قوله تعالى (وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ) فِيهِ لِيَعْتَذِرُوا بَلْ قَدْ قَامَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ، وَعَرَصَاتُ الْقِيَامَةِ حَالَاتٌ، وَالرَّبُّ تَعَالَى يُخْبِرُ عَنْ هَذِهِ الْحَالَةِ تَارَةً وَعَنْ هَذِهِ الْحَالَةِ تَارَةً، لِيَدُلَّ عَلَى شِدَّةِ الْأَهْوَالِ وَالزَّلَازِلِ يَوْمَئِذٍ، وَلِهَذَا يَقُولُ بَعْدَ كُلِّ فَصْلٍ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)

ـ قوله تعالى (هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ) وَهَذِهِ مُخَاطَبَةٌ مِنَ الْخَالِقِ تعالى لِعِبَادِهِ يَقُولُ لَهُمْ: هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ يَعْنِي أَنَّهُ جَمَعَهُمْ بِقُدْرَتِهِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ.

 ـ قوله تعالى( فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ) تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ وَوَعِيدٌ أَكِيدٌ أَيْ إِنْ قَدَرْتُمْ عَلَى أَنْ تَتَخَلَّصُوا مِنْ قَبْضَتِي وَتَنْجُوا مِنْ حُكْمِي فَافْعَلُوا فَإِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ

كَمَا قَالَ تَعَالَى( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ [الرَّحْمَنِ: 33]

وقد قال تَعَالَى( وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً )[هُودٍ: 57]

وَفِي الْحَدِيثِ:

«يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّونِي» صحيح مسلم: 2577 (تفسير ابن كثير 4/ 591ـ592)

                         


* الوعد في الآيات :

في قوله تعالى (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ * وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)سورة المرسلات (41ـ 45)

* قال ابن كثير:

ـ قوله تعالى (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ ) يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ عِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ عَبَدُوهُ بِأَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ، وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ، إِنَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُونَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ أَيْ بِخِلَافِ ما أولئك الأشقياء فيه من ظلل اليحموم وهو الدخان الأسود المنتن.

ـ قوله تعالى (وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ) أي ومن سَائِرِ أَنْوَاعِ الثِّمَارِ مَهْمَا طَلَبُوا وَجَدُوا. (تفسير ابن كثير 4/ 592)

* قال الشيخ محمد العثيمين :

ـ قوله تعالى (كُلُوا وَاشْرَبُوا ) من المأكل الشهية , والأشربة اللذيذة.

ـ قوله تعالى (هَنِيئاً ) أي: من غير منغص ولا مكدر ,ولا يتم هناؤه حتى يسلم الطعام والشراب من كل آفة ونقص , وحتى يجزموا أنه غير منقطع ولا زائل

ـ قوله تعالى (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فأعمالكم هي السبب الموصل لكم إلى هذا النعيم المقيم .

ـ قوله تعالى (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) وهكذا كل من أحسن في عبادة الله وأحسن إلى عباد الله .

ـ قوله تعالى(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ولو لم يكن لهم من هذا الويل إلا فوات هذا النعيم ,لكفى به حرماناّ وخسراناّ.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 402)

 

                         

* الوعيد في الآيات:

في قوله تعالى (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)سورة المرسلات (46ـ 50)

* قال الشيخ محمد العثيمين :

هذا تهديد ووعيد للمكذبين ,أنهم وإن أكلوا في الدنيا وشربوا وتمتعوا وغفلوا عن القربات ,فإنهم مجرمون ,يستحقون ما يستحقه المجرمون ,فستنقطع عنهم اللذات وتبقى عليهم التبعات .

ـ قوله تعالى (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ) ومن إجرامهم أنهم إذا أمروا بالصلاة التي هي  أشرف العبادات  

ـ قوله تعالى (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا) امتنعوا من ذلك , فأي إجرام فوق هذا ؟ وأي تكذيب يزيد على هذا ؟!

ـ قوله تعالى (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ومن الويل عليهم أنهم تنسد عليهم أبواب التوفيق , ويحرمون كل خير , فإنهم إذا كذبوا هذا القرآن الكريم ,الذي هو أعلى مراتب الصدق واليقين على الإطلاق.

ـ قوله تعالى (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) فليس بعد النور المبين إلا دياجي الظلمات , ولا بعد الصدق الذي قامت الأدلة والبراهين على صدقهم إلا الكذب الصراح والإفك المبين الذي لا يليق إلا بمن يناسبه ,فتبًأ لهم من أعمالهم ! وويحاّ ما أخسرهم وأشقاهم !(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 402)

وبهذا أنتهى تفسير جزء تبارك

نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا وأن يجعله خالصا لوجه الكريم.

وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  جزء الرابع والعشرون سورة الزمر (3) قــال تـعــالـى ﴿ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَ...