الخميس، 15 أكتوبر 2020


جزء تبارك (سورة المرسلات (1)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً * فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً * وَالنَّاشِراتِ نَشْراً * فَالْفارِقاتِ فَرْقاً * فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً * عُذْراً أَوْ نُذْراً * إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ * فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ * وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ * وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ * وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ * لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ * وَما أَدْراكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ * كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ * إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ * فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً * أَحْياءً وَأَمْواتاً * وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ مَاءً فُراتاً * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) سورة المرسلات (1ـ 28)


                                            

* فضل سورة المرسلات :

قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ- هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ- رَضِيَ الله عنه قال:

 بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَارٍ بِمِنًى إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ وَالْمُرْسَلاتِ فَإِنَّهُ لَيَتْلُوهَا وَإِنِّي لِأَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ وَإِنَّ فَاهُ لَرَطْبٌ بِهَا إِذْ وَثَبَتْ عَلَيْنَا حَيَّةٌ،

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«اقْتُلُوهَا» فَابْتَدَرْنَاهَا فَذَهَبَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«وُقِيَتْ شَرَّكُمْ كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا»

 وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ. أخرجه البخاري في تفسير سورة 77، باب 1، ومسلم في السّلام حديث 137.

                       

2) مسائل العقيدة في الآيات .

* من أركان الإيمان ( الإيمان بالملائكة )

في قوله تعالى (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً * فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً * وَالنَّاشِراتِ نَشْراً * فَالْفارِقاتِ فَرْقاً * فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً * عُذْراً أَوْ نُذْراً)سورة المرسلات (1ـ 6)

  * قال الشيخ محمد العثيمين :

ـ قوله تعالى (وَالْمُرْسَلاتِ )أقسم الله بالمرسلات عرفاّ ,وهي الملائكة التي يرسلها الله تعالى بشئونه القدرية وتدبير العالم ,وبشؤونه الشرعية ووحيه إلى رسله.

ـ قوله تعالى (عُرْفاً ) حال من المرسلات أي: أرسلت بالعرف والحكمة والمصلحة , لا بالنكر والعبث .

ـ قوله تعالى (فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً) وهي أيضاّ الملائكة التي يرسلها الله تعالى وصفها بالمبادرة لأمره , وسرعة تنفيذ أوامره ,كالريح العاصف, أو أن العاصفات الرياح الشديدة التي يسرع هبوبها .

ـ قوله تعالى (وَالنَّاشِراتِ نَشْراً) يحتمل أنها الملائكة تنشر ما دبرت على نشره , أو أنها السحاب التي ينشر بها الله الأرض ,فيحييها بعد موتها.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 400)

ـ قوله تعالى (فَالْفارِقاتِ فَرْقاً) فَإِنَّهَا تَنْزِلَ بِأَمْرِ اللَّهِ عَلَى الرُّسُلِ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالْهُدَى وَالْغَيِّ، وَالْحَلَالِ.(تفسير ابن كثير 4/ 589)

ـ قوله تعالى (فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً) هي الملائكة تلقي أشرف الأوامر , وهو الذكر الذي يرحم الله به عباده , ويذكرهم فيه منافعهم ومصالحهم , تلقيه إلى الرسل .

ـ قوله تعالى (عُذْراً أَوْ نُذْراً) أي: إعذاراّ وإنذاراّ للناس , تنذر الناس ما أمامهم من مخاوف وتقطع معذرتهم , فلا يكون لهم حجة على الله. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 400)

                       

* من أركان الإيمان ( الإيمان باليوم الآخر )

في قوله تعالى ( إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ * فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ * وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ * وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ * وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ * لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ * وَما أَدْراكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ)سورة المرسلات (6ـ 14)

   * قال ابن كثير :

 ـ قوله تعالى (إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ ) هَذَا هُوَ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَقْسَامِ أَيْ مَا وُعِدْتُمْ بِهِ مِنْ قِيَامِ السَّاعَةِ وَالنَّفْخِ فِي الصُّوَرِ وَبَعْثِ الْأَجْسَادِ وَجَمْعِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَمُجَازَاةِ كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، إِنَّ هَذَا كُلَّهُ لَواقِعٌ أَيْ لَكَائِنٌ لا محالة .

ـ قوله تعالى(فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ) أَيْ ذَهَبَ ضَوْؤُهَا

ـ قوله تعالى (وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ) أَيِ انْفَطَرَتْ وَانْشَقَّتْ وَتَدَلَّتْ أَرْجَاؤُهَا وَوَهَتْ أَطْرَافُهَا.

ـ قوله تعالى (وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ) أَيْ ذُهِبَ بِهَا فَلَا يبقى لها عين ولا أثر.

ـ قوله تعالى (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ)

 قَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: جُمِعَتْ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أُقِّتَتْ أُجِّلَتْ.(تفسير ابن كثير 4/ 590)

 * قال الشيخ محمد العثيمين :

البعث والجزاء على الأعمال محتم وقوعه من غير شك ولا ارتياب , فإذا وقع حصل من التغير للعالم والأهوال الشديدة ما يزعج القلوب , وتشتد له الكروب , فتنطمس النجوم  أي: تتناثر وتزول عن أماكنها وتنسف الجبال , فتكون كالهباء المنثور , وتكون هي والأرض قاعاّ صفصفاّ , لا ترى فيها عوجاّ ولا أمتاّ , وذلك اليوم هو اليوم الذي أقتت فيه الرسل ,وأجلت للحكم بينها وبين أممها .

ـ قوله تعالى (لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ) استفهام للتعظيم والتفخيم والتهويل .

ثم أجاب بقوله(لِيَوْمِ الْفَصْلِ * وَما أَدْراكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ) أي: بين الخلائق , بعضهم لبعض ,وحساب كل منهم منفرداّ.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 400)

                  

                       

3) الوعد والوعيد في الآيات.

    * الوعيد في الآيات :

في قوله تعالى (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ * كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ * إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ * فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً * أَحْياءً وَأَمْواتاً * وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ مَاءً فُراتاً * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)سورة المرسلات (16ـ 28)

* قال الشيخ محمد العثيمين :

ـ قوله تعالى (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ )أي: يا حسرتهم ,وشدة عذابهم ,وسوء منقلبهم ,أخبرهم الله ,وأقسم لهم ,فلم يصدقوه ,فاستحقوا العقوبة البليغة .

ـ قوله تعالى (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ) أي: أما أهلكنا المكذبين السابقين , ثم نتبعهم بإهلاك من كذب من الآخرين , وهذه سنته السابقة واللاحقة في كل مجرم لابد من عذابه , فلم لا تعتبرون بما ترون وتسمعون .

ـ قوله تعالى (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) بعدما شاهدوا من الآيات البينات والعقوبات .

ـ قوله تعالى (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ) أما خلقناكم أيها الآدميون

ـ قوله تعالى (مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) أي: في غاية الحقارة , خرج من بين الصلب والترائب .

ـ قوله تعالى (فِي قَرارٍ مَكِينٍ) حتى جعله الله في الرحم ,به يستقر وينمو .

ـ قوله تعالى (إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ) ووقت مقدر.

ـ قوله تعالى (فَقَدَرْنا) أي: قدرنا ودبرنا ذلك الجنين , في تلك الظلمات , ونقلناه من النطفة إلى العلقة , إلى المضغة ,إلى أن جعله الله جسداّ, ثم نفخ فيه الروح , ومنهم من يموت قبل ذلك.

ـ قوله تعالى (فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) يعني بذلك نفسه المقدسة حيث كان قدراّ تابعاّ للحكمة , موافق للحمد .

ـ قوله تعالى (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) بعدما بين الله لهم الآيات ,وأراهم العبر والبينات .

ـ قوله تعالى (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ )أي أما امتنا عليكم وأنعمنا ,بتسخير الأرض لمصالحكم .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 401)

ـ قوله تعالى (كِفاتاً)

قال مجاهد : يكفت الميت فلا يرى منه شيء.

وقال الشعبي : بطنها لأمواتكم وظهرها لأحيائكم .(تفسير ابن كثير (4/ 591)

ـ قوله تعالى (أَحْياءً وَأَمْواتاً) في الدور ,وفي القبور.

 ـ فكما أن الدور والقصور من نعم الله على عباده ,ومنته .

ـ  فكذلك القبور , رحمة في حقهم , وستراّ لهم ,عن كون أجسادهم بادية للسباع .

ـ قوله تعالى (وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ) أي: جبالاّ ترسي الأرض , لئلا  تميد بأهلها , فثبتها الله بالجبال الراسيات الشامخات أي: الطوال العراض

ـ قوله تعالى (وَأَسْقَيْناكُمْ مَاءً فُراتاً) أي: عذباّ زلالاّ

ـ قوله تعالى ( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) مع ما أراهم الله من النعم التي انفرد الله بها , واختصهم بها فقابلوها بالتكذيب .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 401)

* قال ابن كثير :

ويل لمن تأمل هذه المخلوقات الدالة على عظمة خالقها ثم بعد هذا يستمر على تكذيبه وكفره.(تفسير ابن كثير 4/ 591)

صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  جزء الرابع والعشرون سورة الزمر (3) قــال تـعــالـى ﴿ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَ...