الخميس، 8 أكتوبر 2020


  جزء تبارك (سورة القيامة (2)                       

قـــــــــال تــــعــالــى

(كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ * إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ * كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ * وَقِيلَ مَنْ راقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ *فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى * أَوْلى لَكَ فَأَوْلى * ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى * أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى * ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى * أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) سورة القيامة (20ـ 40)


                                                

1) الفوائد المستنبطة من الآيات .

  * الانشغال بالدنيا ولإعراض عن الآخرة:

في قوله  تعالى (كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ)سورة القيامة (20ـ 21)

    * قال ابن كثير :

ـ قوله تعالى (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ *وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) أَيْ إِنَّمَا يَحْمِلُهُمْ عَلَى التَّكْذِيبِ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمُخَالَفَةِ مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ الْحَقِّ وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، إِنَّهُمْ إِنَّمَا هِمَّتُهُمْ إِلَى الدَّارِ الدُّنْيَا الْعَاجِلَةِ وَهُمْ لاهون مُتَشَاغِلُونَ عَنِ الْآخِرَةِ. (تفسير ابن كثير 4/ 577)

 * قال الشيخ محمد العثيمين :

لأن الدنيا نعيمها ولذاتها عاجلة , والإنسان مولع بحب العاجل , والآخرة متأخرة ما فيها من النعيم المقيم ,فلذلك غفلتم عنها وتركتموها ,كأنكم لم تخلقوا لها , وكأن هذه الدار هي دار القرار , التي تبذل فيها نفائس الأعمار ,ويسعى لها آناء الليل والنهار , وبهذا انقلبت عليكم الحقيقة , وحصل من الخسار ما حصل

فلو آثرتم الآخرة على الدنيا , ونظرتم للعواقب نظر البصير العاقل لأنجحتم ,وربحتم ربحاّ لا خسارة  معه , وفزتم فوزاّ لا شقاء يصحبه.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 394)

                           

2) مسائل العقيدة في الآيات.

* عقيدة أهل السنة والجماعة رؤية الرب في يوم القيامة :

في قوله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ * إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ)سورة القيامة (22ـ 25)

عقيدة أهل السنة والجماعة في رؤية الله سبحانه وتعالى

1- في الدنيا .                         2- في الآخرة .

1- في الدنيا :

رؤية الله في الدنيا غير ممكنة . لقوله تعالى لموسى لما طلب رؤيته – قال جل وعلا :  (لَنْ تَرَانِي ) سورة الأعراف آية ( 143) .   .

2- في الآخرة :

           رؤية الله في الآخرة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع السلف .

في الكتاب :-

1)قال تعالى { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } * { إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }  سورة القيامة آية : ( 22 ، 23 ) 

 فرؤية الله ثابتة بهذا الدليل من ثلاث أوجه :

1- أنه عبر ( إِلَىٰ ) في قوله (على رَبِّهَا) وهنا إلى معناها النظر وليس الانتظار .

2- أنه ذكر الوجوه ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ) الوجه يكون النظر فيه بالعين .

3- أنه قال ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ  ) والنضرة وهي الحسن والبهاء إنما يكون برؤية الله ، فالانتظار لا يكون فيه نضرة ولا بهاء ولا حسن لأن الإنسان المنتظر لا يعلم هل هو من أهل الجنة أم من أهل النار.( شرح العقيدة الطحاوية للشيخ صالح آل الشيخ )

2) قال تعالى : (  كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ) سورة المطففون أية : ( 15 )    

فلما حجب الفجار عن رؤيته دل أن الأبرار يرونه .

من السنة :-

      قال النبي صلى الله عليه وسلم :

 ( إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ, لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ, ) رواه البخاري / كتاب مواقيت الصلاة ( 573 ) ومسلم كتاب المساجد ( 633 ) ( 211 ).

وهذا التشبيه :-

     للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي لأن الله ليس كمثله شيء ولا شبيه له ولا نظير .

• إجماع السلف:

واجمع السلف على رؤية المؤمنين لله تعالى رؤية حقيقية تليق بالله. (شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد للشيخ محمد العثيمين صــ86)

* قال الشيخ محمد العثيمين رحمه الله.

قوله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) أي: حسنة بهية , لها رونق ونور , مما هم فيه من نعيم القلوب , وبهجة النفوس , ولذة الأرواح .

ـ قوله تعالى (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) أي: تنظر إلى ربها على حسب مراتبهم

منهم من ينظره كل يوم بكرة وعشياّ

منهم من ينظره كل جمعة مرة واحدة

فيتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم ,وجماله الباهر ,الذي ليس كمثله شيء, فإذا رأوه نسوا ما هم فيه من النعيم وحصل لهم من اللذة والسرور مالا يمكن التعبير عنه , ونضرت وجوههم فازدادوا جمالاّ إلى جمالهم .

                             فنسأل الله الكريم أن يجعلنا منهم .

ـ قوله تعالى (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ).أي : معبسة ومكدرة , خاشعة ذليلة .

ـ قوله تعالى (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) أي: عقوبة شديدة , وعذاب أليم , فلذلك تغيرت وجوهم وعبست . (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 394)

 

                         

* الإيمان بالحياة البرزخيه ( الموت ):

في قوله تعالى (كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ * وَقِيلَ مَنْ راقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ * فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى * أَوْلى لَكَ فَأَوْلى * ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى * أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى * ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى * أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) سورة القيامة (26ـ 40)

* قال ابن كثير :

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ حَالَةِ الِاحْتِضَارِ وَمَا عِنْدَهُ مِنَ الْأَهْوَالِ ثَبَّتَنَا اللَّهُ هُنَالِكَ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ.

 ـ قوله تعالى (كَلَّا) رَادِعَةً فَمَعْنَاهَا لَسْتَ يَا ابن آدم هناك تكذب بِمَا أُخْبِرْتَ بِهِ

بَلْ صَارَ ذَلِكَ عِنْدَكَ عَيَانًا.

ـ قوله تعالى (إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ) أَيِ انْتُزِعَتْ رُوحُكَ مِنْ جَسَدِكَ وَبَلَغْتَ تَرَاقِيَكَ،

ـ قوله تعالى (التَّرَاقِي) جَمْعُ تَرْقُوَةٍ وَهِيَ الْعِظَامُ الَّتِي بَيْنَ ثَغْرَةِ النَّحْرِ وَالْعَاتِقِ, وَالتَّرَاقِي جَمْعُ تَرْقُوَةٍ وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنَ الْحُلْقُومِ

ـ قوله تعالى (وَقِيلَ مَنْ راقٍ)

قَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْ مَنْ رَاقٍ يَرْقِي

 وَكَذَا قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: أَيْ مَنْ طَبِيبٌ شَافٍ. (تفسير ابن كثير 4/579)

ـ قوله تعالى (وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ) للدنيا

ـ قوله تعالى (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) أي :اجتمعت الشدائد والتفت , وعظم الأمر وصعب الكرب , وأريد أن تخرج الروح التي ألفت البدن ولم تزل معه , فتساق إلى الله تعالى , حتى يجازيها بأعمالها , ويقررها بفعالها . (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/395)

ـ قوله تعالى( إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ) أَيِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ وذلك أن الروح ترفع إلى السموات.

ـ قوله تعالى (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى* وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) هَذَا إِخْبَارٌ عَنِ الْكَافِرِ الَّذِي كَانَ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا مُكَذِّبًا لِلْحَقِّ بِقَلْبِهِ مُتَوَلِّيًا عَنِ الْعَمَلِ بِقَالَبِهِ ، فَلَا خَيْرَ فِيهِ بَاطِنًا وَلَا ظاهرا.

ـ قوله تعالى ( ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) أَيْ جَذِلًا أَشِرًا بَطِرًا كَسْلَانًا لَا هِمَّةَ لَهُ وَلَا عمل.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى أَيْ يَخْتَالُ:

وَقَالَ قَتَادَةُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: يَتَبَخْتَرُ.

قَالَ تَعَالَى( أَوْلى لَكَ فَأَوْلى*  ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) وَهَذَا تَهْدِيدٌ ووعيد أكيد من الله تعالى للكافر به المتبختر في مشيه أَيْ يَحِقُّ لَكَ أَنْ تَمْشِيَ هَكَذَا وَقَدْ كَفَرْتَ بِخَالِقِكَ وَبَارِئِكَ كَمَا يُقَالُ فِي مِثْلِ هذا على سبيل التهديد.(تفسير ابن كثير 4/ 580)

ـ قوله تعالى (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) أي: معطلاّ ,لا يؤمر ولا ينهى ,ولا يثاب ولا يعاقب ؟ هذا حسبان باطل وظن بالله بغير ما يليق بحكمته. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/395)

وَالْمَقْصُودُ هُنَا إِثْبَاتُ الْمَعَادِ وَالرَّدُّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَهُ مِنْ أَهْلِ الزَّيْغِ وَالْجَهْلِ وَالْعِنَادِ

 ـ قوله تعالى (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى) أَيْ: أَمَا كَانَ الْإِنْسَانُ نُطْفَةً ضَعِيفَةً مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ. يُمْنَى: يُرَاقُ مِنَ الْأَصْلَابِ فِي الْأَرْحَامِ.

ـ قوله تعالى (ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى) أَيْ: فَصَارَ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً ثُمَّ شُكِّلَ وَنُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فَصَارَ خَلْقًا آخَرَ سَوِيًّا سَلِيمَ الْأَعْضَاءِ , ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَتَقْدِيرِهِ. وَلِهَذَا قال تعالى( فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى)

ـ قوله تعالى (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) أَيْ أَمَا هَذَا الَّذِي أَنْشَأَ هَذَا الْخَلْقَ السَّوِيَّ مِنْ هَذِهِ النُّطْفَةِ الضَّعِيفَةِ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُعِيدَهُ كَمَا بَدَأَهُ. (تفسير ابن كثير 4/ ـ 580ـ 581)

* وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ  :

 حَدَّثَنَا بِشْرٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ

قوله تعالى(أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَرَأَهَا قَالَ «سُبْحَانَكَ وبلى» تفسير الطبري 12/ 352.

تم بحمد الله تفسير سورة القيامة

صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  جزء الرابع والعشرون سورة الزمر (3) قــال تـعــالـى ﴿ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَ...