جزء تبارك (سورة المزمل (2)
قــــــــال تـــــعـــــالــــــى
(وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً * إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً * وَطَعاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً * يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً * إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً * فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً * السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً * هذِهِ تَذْكِرَةٌ مَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً *إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) سورة المزمل (11ـ 20)
1) الوعد والوعيد في الآيات.
1/ الوعيد في الآيات:
في قوله تعالى (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً * إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً * وَطَعاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً * يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً * إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً * فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً * السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً * إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ مَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) سورة (11ـ 19)
* يقول الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ) أي: اتركني وإياهم ,فسأنتقم منهم ,وإن أمهلتهم فلا أهملهم.
ـ قوله تعالى (أُولِي النَّعْمَةِ) أي: أصحاب النعمة والغنى , الذين طغوا حين وسع الله عليهم من رزقه , وأمدهم من فضله , ثم توعدهم بما عنده من العقاب .
ـ قوله تعالى (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً) أي: إن عندنا عذاباّ شديداّ , جعلناه تنكيلاّ للذي لا يزال مستمراّ على الذنوب .
ـ قوله تعالى (وَجَحِيماً) أي: ناراّ حامية
ـ قوله تعالى (وَطَعاماً ذَا غُصَّةٍ) وذلك لمرارته وبشاعته , وكراهة طعمه وريحه الخبيث المنتن.
ـ قوله تعالى (وَعَذاباً أَلِيماً ) أي: موجعاّ مفظعاّ. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/387)
* قال ابن كثير :
ـ قوله تعالى( يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ) أَيْ تُزَلْزَلُ
ـ قوله تعالى (وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا) أَيْ تَصِيرُ كَكُثْبَانِ الرَّمْلِ بَعْدَ مَا كَانَتْ حِجَارَةً صَمَّاءَ ثُمَّ إِنَّهَا تُنْسَفُ نَسْفًا فَلَا يَبْقَى مِنْهَا شَيْءٌ إِلَّا ذَهَبَ حَتَّى تَصِيرَ الْأَرْضُ قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا أَيْ وَادِيًا وَلَا أَمْتًا أَيْ رَابِيَةً، وَمَعْنَاهُ لَا شَيْءَ يَنْخَفِضُ وَلَا شَيْءَ يَرْتَفِعُ.
ثم قال تعالى مُخَاطِبًا لِكُفَّارِ قُرَيْشٍ وَالْمُرَادُ سَائِرُ النَّاسِ:
ـ قوله تعالى(إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شاهِداً عَلَيْكُمْ ) أَيْ بِأَعْمَالِكُمْ .
ـ قوله تعالى (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلًا)
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَالثَّوْرِيُّ: أَخْذاً وَبِيلًا أَيْ شَدِيدًا .
أَيْ فَاحْذَرُوا أَنْتُمْ أَنْ تُكَذِّبُوا هَذَا الرَّسُولَ فَيُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَ فِرْعَوْنَ حَيْثُ أَخَذَهُ اللَّهُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ, وَأَنْتُمْ أولى بالهلاك والدمار إن كذبتم رسولكم، لِأَنَّ رَسُولَكُمْ أَشْرَفُ وَأَعْظَمُ مِنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ. (تفسير ابن كثير 4/562)
* يقول الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) أي: فكيف يحصل لكم الفكاك والنجاة من يوم القيامة , اليوم المهيل أمره الذي يشيب الوالدان , وتذوب له الجمادات العظام .
ـ قوله تعالى (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ ) فتتفطر به السماء وتنتثر به نجومها.
ـ قوله تعالى (كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً ) أي: لابد من وقوعه , ولا حائل دونه.
ـ قوله تعالى (إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ ) أي: إن هذه الموعظة التي نبأ الله من أحوال يوم القيامة تذكرة بها المتقون , وينزجر بها الكافرون.
ـ قوله تعالى (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) أي: طريقاّ موصلاّ, وذلك باتباع شرعه فإنه قد أبانه كل البيان وأوضحه غاية الإيضاح. (التفسير الثمين الشيخ محمد 10/ 387)
* قاعدة (المشقة تجلب التيسير )
في قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ) سورة المزمل(20)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
ذكر الله في أول السورة أنه أمر رسوله بقيام نصف أو ثلثه أو ثلثيه وذكر في هذا الموضع أنه امتثل هو وطائفة معه من المؤمنين
ولما كان تحرير الوقت المأمور به مشقة على الناس ,أخبر أنه سهل عليهم في ذلك غاية التسهيل.
ـ قوله تعالى(وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) أي: يعلم مقاديرها وما يمضي منهما ويبقى
ـ قوله تعالى (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) أي: خفف عنكم وأمركم بما تيسر لكم سواء زاد على المقدر أو نقص.
ـ قوله تعالى (فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) أي: مما تعرفون ومما لا يشق عليكم.
ثم ذكر بعض الأسباب المناسبة للتخفيف :
فقال تعالى (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) يشق عليهم صلاة ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه , ولا يكون مأموراّ بالصلاة قائماّ عند مشقة ذلك, بل لو شقت عليه صلاة النافلة , فله تركها وله أجر ما كان يعمل صحيحاّ.
ـ قال تعالى (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ وَ آخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أي: وعلم أن منكم مسافرين يسافرون للتجارة فالمسافر حاله تناسب التخفيف , ولهذا خفف عنه في صلاة الفرض , فأبيح له جمع الصلاتين في وقت واحد , وقصر الصلاة الرباعية .
* فذكر الله تخفيفين:
1/ تخفيفاّ للصحيح المقيم ,يراعى فيه نشاطه من غير أن يكلف عليه تحرير الوقت .
2/ تخفيفاّ للمريض أو المسافر , سواء كان سفره للتجارة ,أو العبادة من قتال أو حج أو عمرة , ونحو ذلك , فإنه يراعي مالا يكلفه .
فلله الحمد والثناء الذي جعل على الأمة في الدين من حرج , بل سهل شرعه , وراعى أحوال عباده ومصالح دينهم وأبدانهم ودنياهم.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 387ـ 388)
* وجوب إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة :
في قوله تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) سورة المزمل (20)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ثم أمر الله العباد بعبادتين , هما أم العبادات وعمادها :
إقامة الصلاة التي لا يستقيم الدين إلا بها
وإيتاء الزكاة التي هي برهان الإيمان ,وبها تحصل المواساة للفقراء والمساكين.
ـ قوله تعالى(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ) بأركانها ,وشروطها , ومكملاتها
ـ قوله تعالى(وَآتُوا الزَّكاةَ) أي: خالصاّ لوجه الله ,من نية صادقة , وتثبيت من النفس ,ومال طيب ,ويدخل في هذا الصدقة الواجبة والمستحبة .
ـ قوله تعالى (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) الحسنة بعشر أمثالها , إلى سبعمائة ضعف ,إلى أضعاف كثيرة , وليعلم أن مثقال ذرة من الخير في هذه الدار , يقابله أضعاف أضعاف الدنيا , وما عليها في دار النعيم المقيم.
ـ قوله تعالى(وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وفي الأمر بالاستغفار بعد الحث على أفعال الطاعة والخير , وذلك أن العبد ما يخلو من التقصير فيما أمر به ,فأمر بالاستغفار ,فإن العبد يذنب آناء الليل والنهار , ومتى لم يتغمده الله برحمته ومغفرته , فإنه هالك.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/388)
تم بحمد الله تفسير سورة المزمل
صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق