جزء تبارك (سورة المزمل(1)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم
(يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً * إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً * رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً * وَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) سورة المزمل (1ـ 10)
1) مسائل العقيدة في هذه الآيات.
* وصف حال نبينا محمد عليه الصلاة والسلام في بداية نبوته:
في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ) سورة المزمل (1)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
المزمل: المتغطي بثيابه
هذا الوصف حصل من رسول الله صل الله عليه وسلم حين أكرمه الله برسالته وابتدأه بإنزال وحيه بإرسال جبريل إليه , فرأى أمراّ لم ير مثله , ولا يقدر على الثبات له إلا المرسلون , وذلك حين رأى جبريل عليه السلام ,فأتى إلى أهله فقال " زملوني زملوني" وهو ترعد فرائصه, ثم جاءه جبريل فقال "اقرأ " فقال :
"ما أنا بقارئ "
فغطه حتى بلغ منه الجهد ,وهو يعالجه على القراءة , فقرأ صل الله عليه وسلم , ثم ألقى الله عليه الثبات ,وتابع عليه الوحي , حتى بلغ مبلغاّ ما بلغه أحد من المرسلين. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/386)
2) الأحكام الشرعية في الآيات:
في قوله تعالى (قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً * إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً * رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً * وَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) سورة المزمل ( 2ـ 10)
* الأمر بالصلاة وقيام الليل.
* قال ابن كثير:
في قوله تعالى (قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً) يَأْمُرُ تَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتْرُكَ التَّزَمُّلَ وَهُوَ التَّغَطِّي فِي اللَّيْلِ وَيَنْهَضَ إِلَى الْقِيَامِ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
ـ قوله تعالى (نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً ) نِصْفَهُ بَدَلٌ مِنَ اللَّيْلِ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ أَيْ أَمَرْنَاكَ أَنْ تَقُومَ نِصْفَ اللَّيْلِ بِزِيَادَةٍ قَلِيلَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ قَلِيلٍ لَا حَرَجَ عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ.(تفسير ابن كثير 4/ 557)
ـ قوله تعالى (أَوْ زِدْ عَلَيْهِ ) أي: على النصف , فيكون الثلثين ونحوها.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 386)
* الأمر بترتيل القرآن وتدبره.
* قال ابن كثير :
في قوله تعالى (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) أَيِ اقْرَأْهُ عَلَى تَمَهُّلٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَوْنًا عَلَى فَهْمِ الْقُرْآنِ وَتَدَبُّرِهِ. (تفسير ابن كثير 4/557)
وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَأُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، قالت عائشة رضي الله عنها:
(كَانَ يَقْرَأُ السُّورَةَ فَيُرَتِّلُهَا حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلِ مِنْهَا). وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ « كتاب فضائل القرآن باب 29.
عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
(كَانَتْ مَدًّا ثُمَّ قَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يَمُدُّ بِسْمِ اللَّهِ وَيَمُدُّ الرَّحْمَنِ وَيَمُدُّ الرَّحِيمِ)
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
( يقال لقارئ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْقَ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا)
أخرجه أبو داود في الوتر باب 20، والترمذي في ثواب القرآن باب 18.وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّرْتِيلِ وَتَحْسِينِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ
كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ:
( زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ ) أخرجه البخاري في التوحيد باب 52، وأبو داود في الوتر باب 20، والنسائي في الافتتاح باب 83، وابن ماجة في الإقامة باب 176، والدارمي في فضائل القرآن باب 34، وأحمد في المسند 4/ 283، 285، 296، 304.
وحديث:
(لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ»
أخرجه البخاري في التوحيد باب 44، وأبو داود في الوتر باب 20، والدارمي في الصلاة باب 171، وفضائل القرآن باب 34، وأحمد في المسند 1/ 172، 175، 179.
و حديث:
(لقد أوتي هَذَا مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ)
فَقَالَ أَبُو مُوسَى: لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّكَ كُنْتَ تَسْمَعُ قِرَاءَتِي لَحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيرًا: أخرجه البخاري في فضائل القرآن باب 31، ومسلم في المسافرين حديث 235، 236.
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ:
لَا تَنْثُرُوهُ نَثْرَ الرَّمْلِ وَلَا تَهُذُّوهُ هَذَّ «*» الشِّعْرِ، قِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ وَلَا يَكُنْ هَمُّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ.
(*) أي لا تسرعوا في قراءته كما تسرعوا في قراءة الشعر، والهذّ: سرعة القطع.
* نزول الوحي بالقرآن الكريم:
في قوله تعالى( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) أي: نوحي إليك هذا القرآن الثقيل
أي: العظمة معانيه ,الجليلة أوصافه .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/386)
وَقِيلَ: ثَقِيلٌ وَقْتَ نُزُولِهِ مِنْ عَظَمَتِهِ. (تفسير ابن كثير 4/ 558)
كَمَا قَالَ زَيْدُ بْنُ ثابت رضي الله عنه:
(أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي فَكَادَتْ تَرُضُّ فَخِذِي) أخرجه البخاري في الصلاة باب 12، وتفسير سورة 4، باب 18.
وَفِي أَوَّلِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟
فقال (أحيانا يأتي فِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ)
قَالَتْ عَائِشَةُ:
(وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا هَذَا لَفْظُهُ) .(أخرجه البخاري في بدء الوحي باب 2.)
* فضل صلاة الليل :
في قوله تعالى (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً )
وَالْمَقْصُودُ : أَنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ هُوَ أَشَدُّ مُوَاطَأَةً بَيْنَ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَأَجْمَعُ عَلَى التلاوة.
ولهذا قال تعالى (هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا) أَيْ أَجْمَعُ لِلْخَاطِرِ فِي أَدَاءِ الْقِرَاءَةِ وَتَفَهُّمِهَا مِنْ قِيَامِ النَّهَارِ، لِأَنَّهُ وَقْتُ انْتِشَارِ النَّاسِ وَلَغَطِ الْأَصْوَاتِ وأوقات المعاش.
* قال الشيخ محمد العثيمين:
ـ قوله تعالى (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ) أي: الصلاة فيه بعد النوم.
ـ قوله تعالى (هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) أي: أقرب إلى تحصيل مقصود , يتواطأ على القرآن القلب واللسان , وتقل الشواغل , ويفهم ما يقول ويستقيم له أمره, وهذا بخلاف النهار.
ـ قوله تعالى (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) أي: تردداّ في حوائجك ومعاشك ,يوجب اشتغال القلب وعدم تفرغه التفرغ التام.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/386)
* الأمر بذكره تعالى .
في قوله تعالى (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ ) شامل لأنواع الذكر كلها.
ـ قوله تعالى (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) أي: انقطع إلى الله تعالى , فإن الانقطاع إلى الله والإنابة غليه ,هو الانفصال بالقلب عن الخلائق , والاتصاف بمحبة الله, وكل ما يقرب إليه ,ويدني من رضاه. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 386)
* إفراد الله بالعبادة والتوكل عليه.
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) وهذا اسم جنس يشمل المشارق والمغارب كلها , فهو تعالى رب المشارق والمغارب , وما يكون فيها من الأنوار , وماهي مصلحة له من العالم العلوي والسفلي , فهو رب كل شيء وخالقه ومدبره .
ـ قوله تعالى (لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي: لا معبود إلا وجهه الأعلى , الذي يستحق أن يخص بالمحبة والتعظيم , والإجلال والتكريم.
ـ قوله تعالى (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا) أي: حافظاّ ومدبراّ لأمورك كلها.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/386ـ387)
* الصبر على الأذى في الدعوة .
في قوله تعالى (وَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً)
* قال ابن كثير :
يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا يَقُولُهُ مَنْ كَذَّبَهُ مِنْ سُفَهَاءِ قومه، وأن يهجرهم. (تفسير ابن كثير 4/561)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
فلما أمره الله بالصلاة خصوصاّ, وبالذكر عموماّ , وذلك يحصل للعبد ملكة قوية في تحمل الأثقال , وفعل الثقيل من الأعمال ,أمره بالصبر على ما يقول فيه المعاندون له ويسبونه ويسبون ما جاء به ,وأن يمضي على أمر الله , لا يصده عنه صاد , ولا يرده راد ,وأن يهجرهم هجراّ جميلاّ ,وهو الهجر حيث اقتضت المصلحة الهجر الذي لا أذية فيه, فيقابلهم بالهجر والإعراض عنهم وعن أقوالهم التي تؤذيه , وامره بجدالهم بالتي هي أحسن.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 387)
صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق