الثلاثاء، 15 سبتمبر 2020


جزء تبارك (سورة القلم (3)

قــــال تــــعـــالــــى

 

(يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ * فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ * أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ * أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ *فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) سورة القلم (42ـ 52)





1) مسائل العقيدة في الآيات .

* الإيمان باليوم الآخر (يوم القيامة )

في قوله تعالى (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ) القلم (42ـ 43)

قال ابن كثير :

ـ قوله تعالى (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا يَكُونُ فِيهِ مِنَ الْأَهْوَالِ وَالزَّلَازِلِ وَالْبَلَاءِ، وَالِامْتِحَانِ وَالْأُمُورِ العظام.(تفسير ابن كثير 4/532)

وقد قال البخاري هاهنا: حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا اللَّيْثِ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ

 قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

«يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِيَاءً وَسُمْعَةً فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا  » وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي غَيْرِهِمَا مِنْ طُرُقٍ، وَلَهُ أَلْفَاظٌ وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ مَشْهُورٌ

الطبق: فقار الظهر، أي أنه صار فقارهم كله كالفقار الواحد، فلا يستطيعون السجود. أخرجه البخاري في تفسير سورة 68، باب 2، ومسلم في الإيمان حديث 302، وأبو داود في الرقاق باب 83، وأحمد في المسند 3/ 17.

قال الشيخ محمد العثيمين :

إذا كان يوم القيامة ,وانكشف فيه من القلاقل والأهوال مالا يدخل تحت الوهم ,وأتى الباري لفصل القضاء بين عباده ومجازاتهم فكشف عن ساقه الكريمة التي لا يشبهها شيء, ورأى الخلائق من جلال الله وعظمته مالا يمكن التعبير عنه ,فحينئذ يدعون إلى السجود لله, فيسجد المؤمنون الذين كانوا يسجدون لله طوعاَ واختياراَ ,ويذهب الفجار المنافقون ليسجدوا فلا يقدرون على السجود وتكون ظهورهم كصياصي البقر لا يستطيعون الانحناء وهذا الجزاء من جنس العمل

فإنهم كانوا يدعون في الدنيا إلى السجود لله وتوحيده وعبادته وهم سالمون فيستكبرون عن ذلك

فلا تسأل يومئذ عن حالهم وسوء مآلهم فإن الله قد سخط عليهم  ,وحقت عليهم كلمة العذاب ولم تنفعهم الندامة ولا الاعتذار يوم القيامة .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 370)

 

 

 

2) الوعد والوعيد في الآيات.

   * الوعيد من الآيات:

   في قوله تعالى (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ * أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ* أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) القلم (44ـ 47)

قال الشيخ محمد العثيمين رحمه الله.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى( فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ) أي: دعني والمكذبين بالقرآن العظيم فإن علي جزاءهم ,ولا تستعجل لهم

 ولهذا قال تعالى ( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ) فنمدهم بالأموال والأولاد, ونمدهم في الأرزاق والأعمال , ليغتروا ويستمروا على ما يضرهم ,

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:

«إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ»

 « أخرجه البخاري في تفسير سورة 11، باب 5، ومسلم في البر حديث 62، وابن ماجة في الفتن باب 22.

ـ قوله تعالى (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) فإن هذا من كيد الله لهم , وكيد الله لأعدائه ,متين قوي, يبلغ من ضررهم وعذابهم فوق كل مبلغ.

ـ قوله تعالى (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) فإنك تعلمهم , وتدعوهم إلى الله, لمحض مصلحتهم ,من غير أن تطلبهم من أموالهم مغرماَ يثقل عليهم.

ـ قوله تعالى (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) ما كان عندهم من الغيوب وقد وجدوا فيها أنهم على حق ,وأن لهم الثواب عند الله ؟!

فهذا أمر ما كان ,وإنما كانت حالهم حال معاند ظالم.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 370ـ 371)

 

 

 

3) الأمثال والقصص القرآنية.

* قصة يونس عليه السلام:

في قوله تعالى (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ)القلم (48ـ 52)

قال ابن كثير:

فَاصْبِرْ يَا مُحَمَّدُ عَلَى أَذَى قَوْمِكَ لَكَ وَتَكْذِيبِهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَيَحْكُمُ لَكَ عَلَيْهِمْ وَيَجْعَلُ الْعَاقِبَةَ لَكَ وَلِأَتْبَاعِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ يَعْنِي ذَا النُّونِ وَهُوَ يُونُسُ بْنُ مَتَّى عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ ذَهَبَ مُغَاضِبًا عَلَى قَوْمِهِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ مِنْ رُكُوبِهِ فِي الْبَحْرِ وَالْتِقَامِ الْحُوتِ لَهُ وَشُرُودِ الْحُوتِ بِهِ فِي الْبِحَارِ وَظُلُمَاتِ غَمَرَاتِ الْيَمِّ، وَسَمَاعِهِ تَسْبِيحَ الْبَحْرِ بِمَا فِيهِ لِلْعَلِيِّ الْقَدِيرِ الَّذِي لَا يُرَدُّ مَا أَنْفَذَهُ مِنَ التَّقْدِيرِ فَحِينَئِذٍ نَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. (تفسير ابن كثير 4/524)

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ  : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:

 قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى»  وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ من حديث سفيان الثَّوْرِيِّ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هريرة، أخرجه البخاري في الأنبياء باب 24، 35، وتفسير سورة 4 باب 6، وسورة 6، باب 4، والتوحيد باب د، وأبو داود في السنة باب 13، والترمذي في الصلاة باب 20.

قال الشيخ محمد العثيمين:

فاستجاب الله له , وقذفته الحوت من بطنها بالعراء وهو سقيم ,وأنبت الله عليه شجرة من يقطين .

ـ قَوْلُهُ تعالى (لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ) أي: لطرح في العراء وهي الأرض الخالية.

ـ قَوْلُهُ تعالى (وَهُوَ مَذْمُومٌ) ولكن تغمده رحمته فنبذ وهو ممدوح ,وصارت حاله أحسن من حاله الأولى .

ـ قَوْلُهُ تعالى (فَاجْتَباهُ رَبُّهُ) أي: اختاره واصطفاه ونقاه من كل كدر.

ـ قَوْلُهُ تعالى (فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) أي: الذين صلحت أعمالهم وأقوالهم ونياتهم فامتثل نبينا محمد صل الله عليه وسلم أمر ربه, فصبر لحكم ربه صبراَ لا يدركه فيه أحد من العالمين.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/371)

ـ قَوْلُهُ تعالى (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا لَيُزْلِقُونَكَ لَيُنْفِذُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ أي يعينونك بِأَبْصَارِهِمْ بِمَعْنَى يَحْسُدُونَكَ لِبُغْضِهِمْ إِيَّاكَ لَوْلَا وِقَايَةُ اللَّهِ لَكَ وَحِمَايَتُهُ إِيَّاكَ مِنْهُمْ (تفسير ابن كثير 4/524)

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

«الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقَ القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فَاغْسِلُوا»  انْفَرَدَ بِهِ دُونَ الْبُخَارِيِّ.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ

قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ يقول:

 «أعيذ كما بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مَنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمَنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ»  أخرجه مسلم في السّلام حديث 41، والترمذي في الطب باب 19.

أخرجه البخاري في الأنبياء باب 10، وأبو داود في السنة باب 20، والترمذي في الطب باب 18، وابن ماجة في الطب باب 18، وأحمد في المسند 1/ 236، 270.

ـ قَوْلُهُ تعالى ( وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) أَيْ يَزْدَرُونَهُ بِأَعْيُنِهِمْ وَيُؤْذُونَهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ أَيْ لِمَجِيئِهِ بِالْقُرْآنِ (تفسير ابن كثير 4/528)

قَالَ تَعَالَى (وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) أي: وما هذا القرآن الكريم ,والذكر الحكيم ,إلا ذكر للعالمين يتذكرون به مصالح دينهم ودنياهم.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/371)

 

تم بحمد الله تفسير سورة القلم

صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  جزء الرابع والعشرون سورة الزمر (3) قــال تـعــالـى ﴿ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَ...