جزء تبارك (سورة المعارج (1)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ * لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ* تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَراهُ قَرِيباً * يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ * وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً * يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ * كَلاَّ إِنَّها لَظى * نَزَّاعَةً لِلشَّوى * تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعى) سورة المعارج(1ـ 18)
1) الوعد والوعيد في الآيات
* الوعيد في الآيه:
في قوله تعالى (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ * لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) سورة المعارج (1ـ 2)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
ـ قال تعالى (سَأَلَ سائِلٌ) أي: دعا داع , واستفتح مستفتح.
ـ قال تعالى ( بِعَذابٍ واقِعٍ* لِلْكافِرينَ) لاستحقاقهم له بكفرهم وعنادهم .
ـ قال تعالى (لَيْسَ لَهُ دافِعٌ) أي: ليس لهذا العذاب ـ الذي استعجل به من استعجل , من متمردي المشركين ـ أحد يدفعه قبل نزوله ,أو يرفعه بعد نزوله ,وهذا حين دعا النضر بن الحارث القرشي أو غيره من المشركين فقال
ـ قال تعالى ( اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [الْأَنْفَالِ: 32] (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 376)
* قَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
ـ قوله تعالى (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) قَالَ: «ذَلِكَ سُؤَالُ الْكُفَّارِ عَنْ عَذَابِ اللَّهِ» وهو واقع بهم. (تفسير الطبري 12/ 225)
* يقول الشيخ محمد العثيمين:
فالعذاب لابد أن يقع عليهم من الله ,فإما أن يعجل لهم في الدنيا ,وإما أن يؤخر عنهم إلى الآخرة , فلو عرفوا عظمته لما استعجلوا واستسلموا وتأدبوا .
ولهذا أخبر الله عن عظمته ما يضاد اقوالهم القبيحة
ـ قوله تعالى (مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ)أي: العلو والجلال والعظمة.
عن ابن عباس قَالَ: ذُو الدَّرَجَاتِ
ـ قوله تعالى (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) الروح أسم الجنس يشمل الأرواح كلها برها وفاجرها , وهذا عند الوفاة .
* أما الأبرار:
فتعرج أرواحهم إلى الله, فيؤذن لها من سماء إلى سماء , حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الله عز وجل ,فتُحيي ربها وتسلم عليه ,وتحظى بقربه ,وتبتهج بالدنو منه ,ويحصل لها منه الثناء والإكرام.
* أما أرواح الفجار:
فتعرج فإذا وصلت غلى السماء استأذنت فلم يؤذن لها ,واعيدت إلى الأرض.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 376)
ـ قوله تعالى(فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ذكر المسافة التي تعرج إلى الله فيها الملائكة والأرواح ,من ابتداء العروج إلى وصولها ماحُد لها ,وما تنتهي إليه من الملأ الأعلى فيكون هذا العروج والصعود في الدنيا وهذا أحد الاحتمالات في هذه الآية الكريمة
ويحتمل أن هذا في يوم القيامة وأن الله تبارك وتعالى يظهر لعباده في يوم القيامة من عظمته وجلاله وكبريائه , ماهو أكبر دليل على معرفته مما يشاهدونه من عروج الأملاك والأرواح صاعدة ونازلة بالتدابير الإلهية في ذلك اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة من طوله وشدته ,لكن الله تعالى يخففه على المؤمن. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 376ـ 377)
مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
«الْخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ» أخرجه مسلم في الزكاة حديث 24، 26.بِتَمَامِهِ مُنْفَرِدًا بِهِ دُونَ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَوْضِعُ اسْتِقْصَاءِ طُرُقِهِ وَأَلْفَاظِهِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ في كتاب الْأَحْكَامِ.
* قال ابن كثير :
ـ قوله تعالى( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا) أَيِ اصْبِرْ يَا مُحَمَّدُ عَلَى تَكْذِيبِ قَوْمِكَ لَكَ وَاسْتِعْجَالِهِمُ الْعَذَابَ اسْتِبْعَادًا لِوُقُوعِهِ.
ـ قوله تعالى (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً) أَيْ وُقُوعَ الْعَذَابِ. وَقِيَامَ السَّاعَةِ يَرَاهُ الْكَفَرَةُ بَعِيدَ الْوُقُوعِ بِمَعْنَى مستحيل الوقوع.
ـ قوله تعالى (وَنَراهُ قَرِيباً) أي الْمُؤْمِنُونَ يَعْتَقِدُونَ كَوْنَهُ قَرِيبًا، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَمَدٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، لَكِنْ كُلُّ مَا هُوَ آتٍ فَهُوَ قَرِيبٌ وواقع لا محالة.(تفسير ابن كثير 4/ 539)
2) مسائل العقيدة في هذه الآيات .
* الإيمان باليوم الآخر (ما يحدث في يوم القيامة )
في قوله تعالى (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ * وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً * يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ * كَلاَّ إِنَّها لَظى * نَزَّاعَةً لِلشَّوى * تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعى)سورة المعارج(8ـ 18)
ـ قوله تعالى (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) أي: يوم القيامة ,تقع فيه هذه الأمور العظيمة.
ـ قوله تعالى (تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) وهو الرصاص المذاب من تشققها وبلوغ الهول منها كل مبلغ.
ـ قوله تعالى (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ) وهو الصوف النفوش ,ثم تكون بعد ذاك هباء منثوراَ فتضمحل. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 377)
ـ قوله تعالى( وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً * يُبَصَّرُونَهُمْ) أَيْ لَا يَسْأَلُ الْقَرِيبُ قريبه عَنْ حَالِهِ وَهُوَ يَرَاهُ فِي أَسْوَأِ الْأَحْوَالِ فَتَشْغَلُهُ نَفْسُهُ عَنْ غَيْرِهِ.
ـ قوله تعالى( يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ ) أَيْ لَا يَقْبَلُ مِنْهُ فِدَاءً وَلَوْ جَاءَ بِأَهْلِ الْأَرْضِ وَبِأَعَزِّ مَا يَجِدُهُ مِنَ الْمَالِ وَلَوْ بِمِلْءِ الْأَرْضِ ذَهَبًا، أَوْ مِنْ وَلَدِهِ الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا حُشَاشَةَ كَبِدِهِ يَوَدُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا رَأَى الْأَهْوَالَ أَنْ يَفْتَدِيَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ بِهِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ. ( تفسير ابن كثير 4/ 540)
ـ قوله تعالى (كَلاَّ) أي : لا حيلة ولا مناص لهم ,قد حقت عليهم كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم يؤمنون ,وذهب نفع الأقارب والأصدقاء.
ـ قوله تعالى (إِنَّها لَظى) يَصِفُ النَّارَ وَشِدَّةَ حَرِّهَا.
ـ قوله تعالى (نَزَّاعَةً لِلشَّوى) أي: الأعضاء الظاهرة والباطنة من شدة عذابها.
ـ قوله تعالى (تَدْعُوا ) إليها.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 377)
ـ قوله تعالى (مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) أَيْ كَذَّبَ بِقَلْبِهِ وَتَرَكَ الْعَمَلَ بِجَوَارِحِهِ .
ـ قوله تعالى (وَجَمَعَ فَأَوْعى) أَيْ جَمَعَ الْمَالَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَأَوْعَاهُ أَيْ أَوْكَاهُ وَمَنَعَ حَقَّ اللَّهِ مِنْهُ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِي النَّفَقَاتِ وَمِنْ إِخْرَاجِ الزكاة. ( تفسير ابن كثير 4/ 540)
وقد ورد في الحديث:
«لا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ»
« أوعى: أي جعل الشيء في الوعاء، والمقصود هنا: منع الفضل عمن يحتاجه، ومعنى يوعي عليك: أي يمنعك فضله كما منعت.(أخرجه البخاري في الزكاة باب 22، ومسلم في الزكاة حديث 88، 89.)
صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق