جزء عم سورة المطففين
(3)
قـال الله تعـالى
(كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ
لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ
الْمُقَرَّبُونَ * إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ
* تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ * خِتَامُهُ
مِسْكٌ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ
* وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ* إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ
الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا
انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ
هَٰؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ
آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ
الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) سورة المطففين(18ـ 36)
1) الوعد والوعيد في الآيات.
* الوعد
في الآية :
لقوله تعالى (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ *
وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ *إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى
الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ * خِتَامُهُ
مِسْكٌ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ
* وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) سورة المطففين(18ـ28)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
ـ قوله تعالى (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ)
كتاب
الأبرار في عليين في أعلى الجنة.
ـ قوله تعالى { وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} أي ما الذي أعلمك ما عليون؟ وهذا الاستفهام
يراد به التفخيم والتعظيم. يعني أي شيء أدراك به فإنه عظيم.
ـ قوله تعالى { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } مكتوب لا يتغير ولا يتبدل. (التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 460/10)
* قال ابن كثير:
ـ قوله تعالى { يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} وهم الملائكة
وقال ابن عباس: يشهده من كل سماء مقربوها.(تفسير ابن كثير 487/4)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
ـ قوله تعالى { الْمُقَرَّبُونَ} عند الله هم الذين تقربوا إلى الله سبحانه
وتعالى بطاعته.
فالمقربون هم الذين تقربوا إلى الله تعالى بصالح الأعمال، فقربهم الله
من عنده.
ـ قوله تعالى(إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ)
الأبرار: جمع بر، والبر كثير الخير، كثير الطاعة.
فهؤلاء الأبرار الذين منّ الله عليهم بفعل الخيرات، وترك المنكرات.
والنعيم هنا يشمل نعيم البدن ونعيم القلب:
أما نعيم البدن
:
فإن الله سبحانه وتعالى قال في الجنة:
{وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ
فِيهَا خَالِدُو} [الزخرف: 71] .
وأما نعيم القلب :
فإنهم يقال لهم وقد شاهدوا الموت قد ذبح يقال لهم: يا أهل الجنة خلود
ولا موت
حديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
( يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح زاد أبو كريب فيوقف بين الجنة
والنار واتفقا في باقي الحديث فيقال يا أهل الجنة هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون ويقولون
نعم هذا الموت قال ويقال يا أهل النار هل تعرفون هذا قال فيشرئبون وينظرون ويقولون
نعم هذا الموت قال فيؤمر به فيذبح قال ثم يقال يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار
خلود فلا موت )أخرجه
البخاري كتاب الرقائق باب صفة الجنة والنار (6548) ، ومسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها
وأهلها باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء (2849) (22) .
ويقال لهم: ادخلوها بسلام، ويقال لهم: إن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً،
وأن تصحوا فلا تمرضوا أبدا ، وأن تشبوا فلا تهرموا أبداً
حديث: أبي سعيد
الخدري وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم
( قال ينادي مناد إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وإن لكم أن تحيوا فلا
تموتوا أبدا وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا
) (أخرجه
مسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في دوام نعيم أهل الجنة (837) (22) .
ـ قوله تعالى { عَلَى الْأَرَائِكِ } الأرائك: جمع أريكة وهي السرير المزخرف
وهو من أفخر أنواع الأسرة .
ـ قوله تعالى { يَنظُرُونَ } يعني ينظرون ما أنعم الله به عليهم من النعيم
الذي لا تدركه الأنفس .
وقال بعض العلماء:
إن هذا النظر يشمل حتى النظر
إلى وجه الله، وجعلوا هذه الآية من الأدلة على ثبوت رؤية الله عز وجل في الجنة .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
460/10)
*قال ابن كثير :
ـ قوله تعالى { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ } تعرف إذا نظرت إليهم في وجوههم.
ـ قوله تعالى { نَضْرَةَ النَّعِيمِ } صفة الترافة والحشمة والسرور والدعة والرياسة
مما هم فيه من النعيم العظيم.(تفسير ابن كثير 487/4)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى (يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ) من شراب خالص لا شوب فيه ولا ضرر فيه على
العقل، ولا ألم فيه في الرأس.
ـ قوله تعالى (خِتَامُهُ مِسْكٌ) بقيته وآخره مسك أي طيّب الريح.
ـ قوله تعالى { وَفِي ذَٰلِكَ} وفي هذا الثواب والجزاء.
ـ قوله تعالى { فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } فليتسابق المتسابقون سباقاً يصل بهم إلى
حد النفس، وهو كناية عن السرعة في المسابقة.
ـ قوله تعالى { وَمِزَاجُهُ) مزاج هذا الشراب .
ـ قوله تعالى { مِن تَسْنِيمٍ } من عين رفيعة معنى وحسًّا، وذلك لأن أنهار
الجنة تفجّر من الفردوس، والفردوس هو أعلى الجنة، وأوسط الجنة، وفوقه عرش الرب عز وجل.
* حديث : كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم
قَالَ: مَنْ آمَنَ بِالله ورسُولِهِ وأقامَ الصَّلاَةَ وصامَ رَمَضَانَ،
كانَ حَقّاً عَلى الله أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، هاجَرَ فِي سَبِيلِ الله أوْ جَلَسَ
فِي أرْضِهِ الّتي وُلِدَ فِيها قالُوا: يَا رسولَ الله أفَلاَ نُنَبِّىءُ النَّاسَ
بِذَلِكَ؟ قَالَ: إنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ درَجَةٍ أعَدَّها الله لِلْمُجَاهِدِينَ
فِي سَبِيلِهِ، كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُما كَما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ،
فإذَا سألْتُمُ الله فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فإنَّهُ أوْسَطُ الجَنّةِ وأعْلَى الجَنّةِ،
وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمانِ، ومِنْهُ تَفَجُّرُ أنْهارُ الجَنّةِ.)(أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب وكان
عرشه على الماء (7423))
فهذا الشراب يمزج بهذا الطيب الذي يأتي من التسنيم أي: من المكان المسنَّم
الرفيع العالي، وهو جنة عدن
ـ قوله تعالى { عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ } أي أن هذه العين والمياه النابعة، والأنهار
الجارية يشرب بها المقربون.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 461/10)
2)الفوائد المستنبطة من الآيات.
* وصف حال الكفار مع المؤمنين:
ـ قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا
يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ
أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَضَالُّونَ
* وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ) سورة المطففين(29ـ 33)
* قال ابن كثير :
يخبر تعالى عن المجرمين أنهم كانوا في الدار الدنيا يضحكون من المؤمنين
أي يستهزئون بهم ويحتقرونهم.(تفسير ابن كثير488/4)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
ـ قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا} أي قاموا بالجرم وهو المعصية والمخالفة
ـ قوله تعالى{ كَانُوا} أي في الدنيا
ـ قوله تعالى {مِنَ
الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ } استهزاءاً وسخرية واستصغاراً لهم.
ـ قوله تعالى { وَإِذَا مَرُّوا} أن يكون إذا مر المؤمنون بالمجرمين، أو
إذا مر المجرمون بالمؤمنين،
ـ قوله تعالى { يَتَغَامَزُونَ} يعني يغمز بعضهم بعضاً، انظر إلى هؤلاء
سخرة واستهزاء واستصغاراً.
ـ قوله تعالى {وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ } إذا انقلب المجرمون إلى أهلهم
ـ قوله تعالى { انقَلَبُوا فَكِهِينَ } يعني متفكهين بما نالوه من السخرية بهؤلاء
المؤمنين، ظنًّا منهم أنهم نجحوا وأنهم غلبوا المؤمنين، ولكن الأمر بالعكس.
ـ قال تعالى { وَإِذَا رَأَوْهُمْ} أي رأى المجرمون المؤمنين
ـ قال تعالى { قَالُوا إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَضَالُّونَ} ضالون عن الصواب، متأخرون.
وقد قالوا للرسل عليهم الصلاة والسلام إنهم سحرة أو مجانين،
قال تعالى ( كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم
مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}. [الذاريات: 52] (التفسير الثمين الشيخ محمد
العثيمين 462/10).
* قال ابن كثير :
ـ قال تعالى {وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} وما بعث هؤلاء المجرمون حافظين على هؤلاء
المؤمنين ما يصدر من أعمالهم وأقوالهم ولا كلفوا بهم فلم اشتغلوا بهم وجعلوهم نصب أعينهم.
كما قال تعالى( قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا
قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ
* قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي
يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ
* فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ
تَضْحَكُونَ ) المؤمنون
108 – 111(تفسير ابن كثير 488/4)
3) الوعد والوعيد في الآيات.
* الوعد
في الآية:
لقوله تعالى(فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ
* عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)
سورة
المطففين (34ـ36)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى (فَالْيَوْمَ) يوم القيامة.
ـ قوله تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ
) فالذين
آمنوا يضحكون اليوم من الكفار، وهذا والله هو الضحك الذي لا بكاء بعده، أما ضحك المجرمين
بالمؤمنين في الدنيا فسيعقبه البكاء والحزن والويل والثبور.
ـ قوله تعالى (عَلَى الْأَرَائِكِ) أي أن المؤمنين على الأرائك في الجنة، والأرائك
هي السرر الفخمة الحسنة النضرة.
ـ قوله تعالى { يَنظُرُونَ } أي ينظرون ما أعد الله لهم من الثواب، وينظرون
أولئك الذين يسخرون بهم في الدنيا، ينظرون إليهم وهم في عذاب الله.
ـ { ثُوِّبَ} أي جوزي
ـ { هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا
يَفْعَلُونَ } هنا للتقرير أي أن الله تعالى
قد ثوب الكفار وجازاهم جزاء فعلهم في الدنيا، وهو سبحانه وتعالى حكم عدل.
فحكمه دائر بين العدل والفضل،
ـ بالنسبة للذين آمنوا حكمه وجزاؤه
فضل.
ـ وبالنسبة للكافرين حكمه وجزاؤه عدل، فالحمد لله رب العالمين. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
463/10).
تم بحمد الله تفسير سورة
المطففين
صل الله على نبينا محمد وعلى
اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق