جزء الأحقاف سورة الفتح (5)
قــال تــعــالـى
(وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً
تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ
آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً * وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا
عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً * وَلَوْ
قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا
وَلا نَصِيراً * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ
اللَّهِ تَبْدِيلاً * وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ
بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ
بَصِيراً * هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ
الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ
مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ
مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ
لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) سورة الفتح (20ـ 25)
1)الأحكام الشرعية في
الآيات :
* الغنائم للمسلمين إلى يوم القيامة.
في قوله تعالى (وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها
فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ
وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً * وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ
اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً* وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ
كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً)سورة الفتح (20ـ 22)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
هذا يشمل كل غنيمة غنمها المسلمين إلى يوم القيامة.( التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
10/118)
* قال ابن كثير:
ـ قوله تعالى
﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها﴾ هِيَ جَمِيعُ الْمَغَانِمِ إِلَى الْيَوْمِ
.
ـ قوله تعالى
﴿ فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ﴾ يَعْنِي فَتْحَ خَيْبَرَ.
ـ قوله تعالى ﴿ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ
﴾
ـ لَمْ يَنَلْكُمْ سُوءٌ مِمَّا كَانَ أَعْدَاؤُكُمْ
أَضْمَرُوهُ لَكُمْ مِنَ الْمُحَارَبَةِ وَالْقِتَال.
ـ وَكَذَلِكَ الَّذِينَ خلفتموهم وراء ظهوركم عَنْ عِيَالِكُمْ وَحَرِيمِكُمْ.
ـ قوله تعالى
﴿ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ يعتبرون بذلك، فأن الله تعالى حَافِظُهُمْ
وَنَاصِرُهُمْ عَلَى سَائِرِ الْأَعْدَاءِ مَعَ قِلَّةِ عَدَدِهِمْ.
ـ قوله تعالى
﴿ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً ﴾ بِسَبَبِ انْقِيَادِكُمْ لأمره واتباعكم
طاعته، وموافقتكم رسوله صلى الله عليه وسلم.
ـ قوله تعالى
﴿ وَأُخْرى﴾ وَغَنِيمَةً أُخْرَى وَفَتْحًا آخَرَ مُعَيَّنًا.
ـ قوله تعالى ﴿ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها ﴾ لَمْ تَكُونُوا تَقْدِرُونَ عَلَيْهَا.
ـ قوله تعالى
﴿ قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها﴾ قَدْ يَسَّرَهَا اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَأَحَاطَ بِهَا
لَكُمْ.
ـ قوله تعالى
﴿ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً ﴾ فَإِنَّهُ تَعَالَى يَرْزُقُ عِبَادَهُ
الْمُتَّقِينَ لَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُونَ.(تفسير ابن كثير 4/242)
2) مسائل العقيدة في
الآيات.
* جند الله هم الغالبون.
في قوله تعالى (وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ
ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ
مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً)سورة الفتح (22ـ23)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
هذه بشارة من الله لعباده المؤمنين، بنصرهم على أعدائهم الكافرين.
ـ قوله
تعالى ﴿وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وأنهم لو قابلوهم وقاتلوهم.
ـ قوله تعالى ﴿لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ﴾فاراً مدبراً.(تفسير ابن كثير 4/243)
ـ قوله تعالى
﴿ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا﴾ يتولى أمرهم.
ـ قوله تعالى
﴿وَلَا نَصِيرًا﴾ ينصرهم ويعينهم على قتالكم، بل هم مخذولون مغلوبون.
ـ قوله تعالى
﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ ﴾ وهذه سنة الله في الأمم السابقة.
ـ قوله تعالى
﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ أن جند الله هم الغالبون.(التفسير الثمين
الشيخ محمد العثيمين 10/118)
2) أسباب نزول الآيات:
* امْتِنَانٌ اللَّهِ على عباده.
في قوله
تعالى (وَهُوَ
الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ
بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً)سورة الفتح (24)
* قال ابن كثير
:
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ
ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْحُدَيْبِيَةِ
هَبَطَ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجلا من أهل مكة بالسلاح،
مِنْ قِبَلِ جَبَلِ التَّنْعِيمِ، يُرِيدُونَ غِرَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَأُخِذُوا.
وَنَزَلَتْ
هَذِهِ الْآيَةُ:
(وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ
بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ » وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ فِي
سُنَنِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ سُنَنَيْهِمَا مِنْ
طُرُقٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ. (المسند
3/ 122، 124، 125، 290.(أخرجه مسلم في الجهاد حديث 133، وأبو داود في الجهاد باب
120، والترمذي في تفسير سورة 48 باب 3.(تفسير ابن كثير 4/ 243)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
يقول تعالى ممتنا على عباده بالعافية، من شر الكفار ومن قتالهم.
ـ قوله
تعالى ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ﴾ أهل مكة.
ـ قوله تعالى
﴿عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ
عَلَيْهِمْ﴾ من بعد
ما قدرتم عليهم، وصاروا تحت ولايتكم بلا عقد ولا عهد، وهم نحو ثمانين رجلا، انحدروا
على المسلمين ليصيبوا منهم غرة، فوجدوا المسلمين منتبهين فأمسكوهم، فتركوهم ولم يقتلوهم،
رحمة من الله بالمؤمنين إذ لم يقتلوهم.
ـ قوله تعالى
﴿وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا﴾ فيجازي كل عامل بعمله.( التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
10/118)
4)القصص القرآنية في
الآيات
* موقف الرسول ﷺ مع المشركين في صلح الحديبية:
في قوله تعالى (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ
الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ
وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ
بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً)سورة الفتح (25)
1/ ذكر تعالى الأمور المهيجة على قتال المشركين.
ـ قوله
تعالى ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ﴾ كفرهم بالله ورسوله، وصدهم لرسول الله ومن معه من المؤمنين
أن يأتوا للبيت الحرام زائرين معظمين له بالحج والعمرة.
ـ قوله تعالى ﴿والهدي مَعْكُوفًا﴾ محبوسا.
ـ قوله تعالى ﴿أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾ محل ذبحه وهو مكة
فمنعوه من الوصول إليه ظلما وعدوانا، وكل هذه أمور موجبة وداعية إلى قتالهم. ( التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
10/118ـ119)
* قال ابن كثير :
أَيْ وَصَدُّوا الْهَدْيَ أَنْ
يَصِلَ إِلَى مَحَلِّهِ وَهَذَا مِنْ بَغْيِهِمْ وَعِنَادِهِمْ، وَكَانَ الْهَدْيُ
سَبْعِينَ بَدَنَةً .(تفسير ابن كثير 4/245)
* هناك موانع لقتالهم :
1/ وجود رجال ونساء من أهل الإيمان بين أظهر المشركين.
في قوله
تعالى ﴿وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ
مُؤْمِناتٌ ﴾ وجود رجال ونساء من أهل الإيمان بين أظهر المشركين.
ـ قوله تعالى ﴿لَمْ تَعْلَمُوهُمْ ﴾ وليسوا متميزين بمحلة أو مكان يمكن أن لا ينالهم أذى. ( التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
10/119)
* قال ابن كثير :
أَيْ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ مِمَّنْ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ وَيُخْفِيهِ مِنْهُمْ
خِيفَةً عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ قَوْمِهِمْ.(تفسير ابن كثير 4/245)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
ـ قوله تعالى ﴿َنْ تَطَؤُهُمْ ﴾ خشية أن تطأوهم
ـ قوله تعالى ﴿فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾
والمعرة:
ما يدخل تحت قتالهم، من نيلهم بالأذى والمكروه. ( التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
10/119)
2/ ليدخل في رحمته من يشاء فيمن عليهم بالإيمان بعد الكفر
*
قال ابن كثير :
ـ قوله تعالى ﴿لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ
﴾أَيْ
يُؤَخِّرُ عُقُوبَتَهُمْ لِيُخَلِّصَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلِيَرْجِعَ
كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ.
ـ قوله تعالى ﴿لَوْ تَزَيَّلُوا﴾ لَوْ تَمَيَّزَ الْكُفَّارُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
الَّذِينَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ.
ـ قوله تعالى ﴿لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً
أَلِيماً﴾ أَيْ
لَسَلَّطْنَاكُمْ عَلَيْهِمْ فَلَقَتَلْتُمُوهُمْ قَتْلًا ذَرِيعًا.(تفسير ابن كثير 4/245)
صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين