الاثنين، 29 مارس 2021

 



جزء الأحقاف سورة الفتح (5)

قــال تــعــالـى

(وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً * وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً * وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً * وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً * هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) سورة الفتح (20ـ 25)

                                                  

1)الأحكام الشرعية في الآيات :

   * الغنائم للمسلمين إلى يوم القيامة.

في قوله تعالى (وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً * وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً* وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً)سورة الفتح (20ـ 22)

* قال الشيخ محمد العثيمين:

هذا يشمل كل غنيمة غنمها المسلمين إلى يوم القيامة.( التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/118)

* قال ابن كثير:

ـ قوله تعالى ﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها﴾ هِيَ جَمِيعُ الْمَغَانِمِ إِلَى الْيَوْمِ .

ـ قوله تعالى ﴿ فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ﴾ يَعْنِي فَتْحَ خَيْبَرَ.

 ـ قوله تعالى ﴿ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ ﴾

ـ لَمْ يَنَلْكُمْ سُوءٌ مِمَّا كَانَ أَعْدَاؤُكُمْ أَضْمَرُوهُ لَكُمْ مِنَ الْمُحَارَبَةِ وَالْقِتَال.

ـ وَكَذَلِكَ الَّذِينَ خلفتموهم وراء ظهوركم عَنْ عِيَالِكُمْ وَحَرِيمِكُمْ.

ـ قوله تعالى ﴿ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ يعتبرون بذلك، فأن الله تعالى حَافِظُهُمْ وَنَاصِرُهُمْ عَلَى سَائِرِ الْأَعْدَاءِ مَعَ قِلَّةِ عَدَدِهِمْ.

ـ قوله تعالى ﴿ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً ﴾ بِسَبَبِ انْقِيَادِكُمْ لأمره واتباعكم طاعته، وموافقتكم رسوله صلى الله عليه وسلم.

ـ قوله تعالى ﴿ وَأُخْرى وَغَنِيمَةً أُخْرَى وَفَتْحًا آخَرَ مُعَيَّنًا.

 ـ قوله تعالى ﴿ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها ﴾ لَمْ تَكُونُوا تَقْدِرُونَ عَلَيْهَا.

ـ قوله تعالى ﴿ قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها﴾ قَدْ يَسَّرَهَا اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَأَحَاطَ بِهَا لَكُمْ.

ـ قوله تعالى ﴿ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً ﴾ فَإِنَّهُ تَعَالَى يَرْزُقُ عِبَادَهُ الْمُتَّقِينَ لَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُونَ.(تفسير ابن كثير 4/242)

 

                           

2) مسائل العقيدة في الآيات.

      * جند الله هم الغالبون.

في قوله تعالى (وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً)سورة الفتح (22ـ23)

* قال الشيخ محمد العثيمين:

هذه بشارة من الله لعباده المؤمنين، بنصرهم على أعدائهم الكافرين.

ـ قوله تعالى ﴿وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وأنهم لو قابلوهم وقاتلوهم.

 ـ قوله تعالى ﴿لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ﴾فاراً مدبراً.(تفسير ابن كثير 4/243)

ـ قوله تعالى ﴿ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا﴾ يتولى أمرهم.

ـ قوله تعالى ﴿وَلَا نَصِيرًا﴾ ينصرهم ويعينهم على قتالكم، بل هم مخذولون مغلوبون.

ـ قوله تعالى ﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ ﴾  وهذه سنة الله في الأمم السابقة.

ـ قوله تعالى ﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ أن جند الله هم الغالبون.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/118)

                           

2) أسباب نزول الآيات:

    * امْتِنَانٌ اللَّهِ على عباده.

في قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً)سورة الفتح (24)

*  قال ابن كثير :

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ  :

حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:

 لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْحُدَيْبِيَةِ هَبَطَ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجلا من أهل مكة بالسلاح، مِنْ قِبَلِ جَبَلِ التَّنْعِيمِ، يُرِيدُونَ غِرَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَأُخِذُوا.

 وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:

(وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ » وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ سُنَنَيْهِمَا مِنْ طُرُقٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ. (المسند 3/ 122، 124، 125، 290.(أخرجه مسلم في الجهاد حديث 133، وأبو داود في الجهاد باب 120، والترمذي في تفسير سورة 48 باب 3.(تفسير ابن كثير 4/ 243)

* قال الشيخ محمد العثيمين:

يقول تعالى ممتنا على عباده بالعافية، من شر الكفار ومن قتالهم.

ـ قوله تعالى ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ﴾ أهل مكة.

ـ قوله تعالى ﴿عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ﴾ من بعد ما قدرتم عليهم، وصاروا تحت ولايتكم بلا عقد ولا عهد، وهم نحو ثمانين رجلا، انحدروا على المسلمين ليصيبوا منهم غرة، فوجدوا المسلمين منتبهين فأمسكوهم، فتركوهم ولم يقتلوهم، رحمة من الله بالمؤمنين إذ لم يقتلوهم.

ـ قوله تعالى ﴿وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا﴾ فيجازي كل عامل بعمله.( التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/118)

                            

4)القصص القرآنية في الآيات

* موقف الرسول مع المشركين في صلح الحديبية:

في قوله تعالى (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً)سورة الفتح (25)

1/ ذكر تعالى الأمور المهيجة على قتال المشركين.

ـ قوله تعالى ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ﴾ كفرهم بالله ورسوله،  وصدهم لرسول الله ومن معه من المؤمنين أن يأتوا للبيت الحرام زائرين معظمين له بالحج والعمرة.

 ـ قوله تعالى ﴿والهدي مَعْكُوفًا﴾ محبوسا.

 ـ قوله تعالى ﴿أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾ محل ذبحه وهو مكة

فمنعوه من الوصول إليه ظلما وعدوانا، وكل هذه أمور موجبة وداعية إلى قتالهم. ( التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/118ـ119)

* قال ابن كثير :

 أَيْ وَصَدُّوا الْهَدْيَ أَنْ يَصِلَ إِلَى مَحَلِّهِ وَهَذَا مِنْ بَغْيِهِمْ وَعِنَادِهِمْ، وَكَانَ الْهَدْيُ سَبْعِينَ بَدَنَةً .(تفسير ابن كثير 4/245)

* هناك موانع لقتالهم :

1/ وجود رجال ونساء من أهل الإيمان بين أظهر المشركين.

في قوله تعالى  ﴿وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ وجود رجال ونساء من أهل الإيمان بين أظهر المشركين.

ـ قوله تعالى  ﴿لَمْ تَعْلَمُوهُمْ وليسوا متميزين بمحلة أو مكان يمكن أن لا ينالهم أذى. ( التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/119)

* قال ابن كثير :

أَيْ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ مِمَّنْ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ وَيُخْفِيهِ مِنْهُمْ خِيفَةً عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ قَوْمِهِمْ.(تفسير ابن كثير 4/245)

* قال الشيخ محمد العثيمين:

ـ قوله تعالى  ﴿َنْ تَطَؤُهُمْ ﴾  خشية أن تطأوهم

ـ قوله تعالى  ﴿فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ والمعرة: ما يدخل تحت قتالهم، من نيلهم بالأذى والمكروه. ( التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/119)

2/ ليدخل في رحمته من يشاء فيمن عليهم بالإيمان بعد الكفر

   * قال ابن كثير :

ـ قوله تعالى  ﴿لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ ﴾أَيْ يُؤَخِّرُ عُقُوبَتَهُمْ لِيُخَلِّصَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلِيَرْجِعَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ.

ـ قوله تعالى  ﴿لَوْ تَزَيَّلُوا﴾ لَوْ تَمَيَّزَ الْكُفَّارُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ.

ـ قوله تعالى  ﴿لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً﴾ أَيْ لَسَلَّطْنَاكُمْ عَلَيْهِمْ فَلَقَتَلْتُمُوهُمْ قَتْلًا ذَرِيعًا.(تفسير ابن كثير 4/245)

صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين

الأربعاء، 24 مارس 2021


جزء الأحقاف سورة الفتح (4)

قــال تــعــالـى

(سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً * بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً * وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً * وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً * سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً * قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً * لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً)سورة الفتح (11ـ 17)

                                                        

1) القصص القرآنية في الآيات:

  * موقف الرسول مع المخلفون من الأعراب:

في قوله تعالى (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً * بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً * وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً * وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)سورة الفتح (11ـ 14)

* قال ابن كثير :

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا رَسُولَهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ بِمَا يَعْتَذِرُ بِهِ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ اخْتَارُوا الْمُقَامَ فِي أَهْلِيهِمْ وَشُغْلِهِمْ وَتَرَكُوا الْمَسِيرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاعتذروا بشغلهم لذلك وَسَأَلُوا أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُمُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(تفسير ابن كثير 4/239)

* قال الشيخ محمد العثيمين :

ـ قوله تعالى ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ﴾ يذم تعالى المتخلفين عن رسوله، في الجهاد في سبيله، من الأعراب الذين ضعف إيمانهم.

ـ قوله تعالى ﴿شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا ﴾ وأنهم سيعتذرون بأن أموالهم وأهليهم شغلتهم عن الخروج في الجهاد.

ـ قوله تعالى ﴿فَاسْتَغْفِرْ لَنا ﴾ وأنهم طلبوا من رسول الله ﷺ أن يستغفر لهم.

ـ قوله تعالى ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ إنما تخلفوا لأنهم ظنوا بالله ظن السوء.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/115ـ116)

* قال ابن كثير :

ـ قوله تعالى ﴿قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعا﴾ لَا يقدر أحد أن يرد ما أراده الله فِيكُمْ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ، وإن صانعتمونا ونافقتمونا.

لهذا قال تعالى ﴿بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾(تفسير ابن كثير 4/ 239)

* يقول الشيخ محمد العثيمين :

ـ قوله تعالى ﴿أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا﴾ إنهم سيقتلون ويستأصلون، ولم يزل هذا الظن يزين في قلوبهم.

وسبب ذلك أمران:

1/ قوله تعالى ﴿قَوْمًا بُورًا﴾ هلكى، لا خير فيهم، فلو كان فيهم خير لم يكن هذا في قلوبهم.

2/ قوله تعالى ﴿وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ ضعف إيمانهم ويقينهم بوعد الله، ونصر دينه، وإعلاء كلمته.

ـ قوله تعالى ﴿فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا﴾ فإنه كافر مستحق للعقاب.

ـ قوله تعالى ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ هو تعالى المنفرد بملك السماوات والأرض، يتصرف فيهما بما يشاء من الأحكام القدرية، والأحكام الشرعية.

ـ قوله تعالى ﴿يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ من قام بما أمره الله به .

ـ قوله تعالى ﴿وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ ممن تهاون بأمر الله.

ـ قوله تعالى ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ يغفر للمذنبين، ويتجاوز عن الخطائين، ويتقبل توبة التائبين.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 116)

                             

* معاقبة وذم المخلفون من المشاركة في الغنائم:

في قوله تعالى (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً)سورة الفتح (15)

* قال ابن كثير :

فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَ أهل الحديبية بمغانم خيبر وحدهم، لا يشاركهم فِيهَا غَيْرُهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ الْمُتَخَلِّفِينَ , فأمر اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لا يَأْذَنَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُعَاقَبَةً لَهُمْ مِنْ جِنْسِ ذَنْبِهِمْ.(تفسير ابن كثير 4/ 240)

* قال الشيخ محمد العثيمين:

ـ قوله تعالى﴿ سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ﴾أن رسول الله ﷺ وأصحابه إذا انطلقوا إلى غنائم لا قتال فيها ليأخذوها.

ـ قوله تعالى ﴿ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ﴾ طلبوا منهم الصحبة والمشاركة.

ـ قوله تعالى ﴿أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ﴾ حيث حكم بعقوبتهم، واختصاص الصحابة المؤمنين بتلك الغنائم، شرعا وقدرا.

ـ قوله تعالى ﴿قُلْ﴾ لهم .

ـ قوله تعالى ﴿لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ﴾ إنكم محرومون منها بما جنيتم على أنفسكم، وبما تركتم القتال أول مرة.

ـ قوله تعالى ﴿فَسَيَقُولُونَ﴾ مجيبين لهذا الكلام.

ـ قوله تعالى ﴿بَلْ تَحْسُدُونَنَا﴾ على الغنائم، هذا منتهى علمهم في هذا الموضع.

ـ قوله تعالى ﴿ بَلْ كانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ ولو فهموا رشدهم , لعلموا أن حرمانهم بسبب عصيانهم ,وأن المعاصي لها عقوبات دنيوية ودينية .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/116)

                              

* امتحان المخلفون من الأعراب:

في قوله تعالى (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً)سورة الفتح (16)

* قال الشيخ محمد العثيمين:

لما ذكر تعالى أن المخلفين من الأعراب يتخلفون عن الجهاد في سبيله، ويعتذرون بغير عذر، وأنهم يطلبون الخروج معهم إذا لم يكن شوكة ولا قتال، بل لمجرد الغنيمة.

قال تعالى ممتحنا لهم: ﴿قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ ﴾ سيدعوكم الرسول ومن ناب منابه من الخلفاء الراشدين والأئمة.

ـ قوله تعالى ﴿ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾  القوم فارس والروم ومن نحا نحوهم وأشبههم.

ـ قوله تعالى ﴿تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ ﴾ فإنهم في حال قتالهم ومقاتلتهم لأولئك الأقوام :

ـ إذا كانت شدتهم وبأسهم معهم ,فإنهم لا يقبلون أن يبذلوا الجزية ,بل إما أن يدخلوا في الإسلام ,وإما أن يقاتلوا على ما هم عليه.

ـ وإذا ضعفوا وذلوا ذهب بأسهم فصاروا إما أن يسلموا ,وإما أن يبذلوا الجزية .

 ـ قوله تعالى ﴿فَإِنْ تُطِيعُوا﴾ الداعي لكم إلى قتال هؤلاء .

 ـ قوله تعالى ﴿يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً ﴾ وهو الأجر الذي رتبه الله ورسوله على الجهاد في سبيل الله.

ـ قوله تعالى ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ﴾ عن قتال من دعاكم الرسول إلى قتاله , قال تعالى ﴿يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً﴾.

دلت هذه الآية على فضيلة الخلفاء الراشدين ,الداعين لجهاد أهل البأس من الناس ,وأنه تجب طاعتهم في ذلك.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/116ـ117)

 

                                  

* الأعذار التي يعذر بها العبد عن الخروج إلى الجهاد:

في قوله تعالى (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً)سورة الفتح (17)

* قال الشيخ محمد العثيمين:

ـ قوله تعالى ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ﴾ في التخلف عن الجهاد لعذرهم المانع.

ـ قوله تعالى ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ في امتثال أمرهما، واجتناب نهيهما.

 ـ قوله تعالى ﴿يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين.

ـ قوله تعالى ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ﴾ عن طاعة الله ورسوله.

ـ قوله تعالى ﴿يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ فالسعادة كلها في طاعة الله، والشقاوة في معصيته ومخالفته.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/117)

صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين

 

  جزء الرابع والعشرون سورة الزمر (3) قــال تـعــالـى ﴿ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَ...