الاثنين، 8 فبراير 2021


جزء الذاريات سورة الحديد(4)

قـــــال تــعــالـــى

(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ * اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ * سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) سورة الحديد (19ـ 21)

1) مسائل العقيدة في الآيات.

   * وصف المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسله:

في قوله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) سورة الحديد (19)

* قال الشيخ محمد العثيمين :

ـ قوله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) الإيمان بالله يتضمن:

(الإيمان بوجوده, الإيمان بربوبيته, الإيمان بألوهيته, الإيمان بأسمائه وصفاته)

ـ قوله تعالى (وَرُسُلِهِ) أما الإيمان بالرسل

* فإيماننا بالرسل :

ـ نؤمن بأنهم صادقون مبلغون عن الله .

ـ ونؤمن بكل ما صح من أخبارهم .

ـ أما اتباعهم , فلا اتباع إلا للنبي صلى الله عليه وسلم.

وقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم بنسخ جميع الشرائع السابقة.

 

 لقول الله تعالى{ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (سورة آل عمران :85)

* وقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:

 «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بما جئت به إلا كان من أصحاب النار» (أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد ? إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته (153) .

ـ قوله تعالى { أُولئِكَ } الذين آمنوا بالله ورسله.

ـ قوله تعالى { هُمُ الصِّدِّيقُونَ } البالغون في الصدق مبلغاً كبيراً, والصدق يكون بالقصد وبالقول وبالفعل

ـ الصدق بالقصد: فأن يقصد الإنسان بعبادته وجه الله لا يقصد غيره.

ـ الصدق في القول: بأن يكون الإنسان صادقاً فيما يخبر به.

ـ الصدق بالفعل: فمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن من كان صادقاً فيما يدعي من محبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فليتبع الرسول عليه الصلاة والسلام.

 ـ قوله تعالى (وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) جمع شهيد، والمراد بهم من قُتلوا في سبيل الله, أن يقاتل الإنسان عدو الله لتكون كلمة الله هي العليا.

ـ قوله تعالى { لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ } ثوابهم العظيم.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 301ـ302ـ303ـ304)

                             

2)الوعد والوعيد في الآيات.

 * الوعيد في الآية :

في قوله تعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ)سورة الحديد (19)

* قال الشيخ محمد العثيمين :

ـ قوله تعالى { وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا }عطف التكذيب على الكفر وهو نوع منه؛ لأنه أشد، فالذي يكفر ولم يكذب أهون من الذي يكفر ويكذب.

ـ قوله تعالى {أُولئِكَ أَصْحابُ } ملازمون لها مخلدون فيها.

ـ قوله تعالى {الْجَحِيمِ } اسم من أسماء النار. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 304)

                              

 

3) الفوائد المستنبطة من الآيات.

* التأمل والتفكر في حقيقة الدنيا :

في قوله تعالى (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ)( سورة الحديد :20)

 * قال ابن كثير :

يَقُولُ تَعَالَى مُوهِنًا أَمْرَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمُحَقِّرًا لَهَا , إِنَّمَا حَاصِلُ أَمْرِهَا عِنْدَ أَهْلِهَا هَذَا.(تفسير ابن كثير 4/399)

* قال السيخ محمد العثيمين :

ـ قوله تعالى { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا } بين حقيقة الدنيا ، وأمرنا أن نعلم من أجل أن يجتهد الإنسان في التأمل والتفكر.

ـ قوله تعالى { لَعِبٌ } اللعب بالجوارح، بأن يعمل الإنسان أعمالاً تصده عن ذكر الله وعن الصلاة،

ـ قوله تعالى { وَلَهْو}ٌ بالقلوب فهو الغفلة، وهذا أشد وأعظم، وغفلة القلب تفقدك جميع لذات الطاعة، وتحرم من جميع آثارها.

ـ قوله تعالى { وَزِينَةٌ} زينة بالملابس، وزينة بالمراكب، وزينة بالمساكن، وزينة في كل شيء.

ـ قوله تعالى { وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ } كل واحد يفخر على الثاني، إما بالقبيلة، أو بالعلم.

ـ قوله تعالى { وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ} يحب أن يكون أكثر أموالاً وأكثر أولاداً.

هذه حقيقة الدنيا، ومع هذا اللهو واللعب والتفاخر والزينة لا تبقى، فلابد أن تزول، وإذا طال الزمان عاد الإنسان إلى الهرم.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/304ـ305) 

 

4)الأمثال القرآنية في الآيات.

* ضرب الله مثل الحياة الدنيا بغيث نزل على الأرض:

في قوله تعالى (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ) ( سورة الحديد :20)

* الشيخ العلامة عبدالرحمن السعدي:

 ضرب للدنيا مثلا بغيث نزل على الأرض، فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام، حتى إذا أخذت الأرض زخرفها، وأعجب نباته الكفار، الذين قصروا همهم ونظرهم إلى الدنيا جاءها من أمر الله فهاجت ويبست، فعادت على حالها الأولى، كأنه لم ينبت فيها خضراء

كذلك الدنيا، بينما هي زاهية لصاحبها زاهرة، مهما أراد من مطالبها حصل، إذ أصابها القدر بما أذهبها من يده، وأزال تسلطه عليها، أو ذهب به عنها، فرحل منها صفر اليدين، لم يتزود منها سوى الكفن.

وأما العمل للآخرة فهو الذي ينفع، ويدخر لصاحبه، ويصحب العبد على الأبد. (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان الشيخ عبدالرحمن السعدي صـ 781)

قال الشيخ محمد العثيمين :

ـ قوله تعالى { كَمَثَلِ غَيْثٍ } أي: مطر تنبت به الأرض النبات الناشئ عنه.

ـ قوله تعالى { أَعْجَبَ} أي استحسنوه.

ـ قوله تعالى { الْكُفَّار}َ والكفار هم الكافرون بالله لأن الكافر تعجبه الدنيا ويفرح بها ويسر بها.

  وقيل: إن المراد بالكفار هنا الزراع:

 لأن الزارع يكفر الحب، أي: يستره في الأرض، ولكن هذا ليس بصحيح.

الصواب: أن المراد بالكفار، هم الكفار بالله، بعدما يظهر ويعجب الكفار ويستحسنونه ويتعجبون منه.

ـ قوله تعالى{ ثُمَّ يَهِيجُ } ييبس ويجف.

ـ قوله تعالى { فَتَراهُ مُصْفَرًّا} بعد أن كان أخضر نامياً يكون مصفرًّا دائماً.

ـ قوله تعالى{ ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً } يتحطم ويتكسر؛ لأنه يبس.

هذه حال الدنيا، تزهو للإنسان بنعيمها وقصورها ومراكبها وأموالها وأولادها وفي كل أحواله، وإذا به يعود فقيراً، فتتحطم دنياه، فإن لم يكن مات وتحطمت دنياه بفراق هذه الدنيا.

ـ قوله تعالى { وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ } للكافرين.

ـ قوله تعالى { وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ } للمؤمنين.

ـ قوله تعالى { وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ} للذنوب.

ـ قوله تعالى { وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ } بالحسنات.

ـ قوله تعالى{ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ }يغتر بها الإنسان، فيلهو ويلعب ويفرح ويبطر ثم تزول.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/305ـ306)

 

                              


5) الأحكام الشرعية في الآيات:

    * الأمر بالمبادرة إلى فعل الخير :

في قوله تعالى (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)سورة الحديد (21)

* قال الشيخ محمد العثيمين :

ـ قوله تعالى{ سابِقُوا } جاء الأمر المبادرة إلى فعل الخير .

ـ قوله تعالى { إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ } وذلك بفعل أسباب المغفرة

* ومن أسباب المغفرة:

ـ أن تسأل الله المغفرة، تقول: اللهم اغفر لي.

ـ فعل ما تكون به المغفرة.

  * قول النبي صلى الله عليه وسلم:

«من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله ما تقدم من ذنبه» (أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب صوم رمضان احتساباً من الإيمان (38) ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في قيام رمضان (759)

* وقوله صلى الله عليه وسلم:

«من قال سبحان الله وبحمده، مائة مرة غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» (أخرجه البخاري، كتاب الدعوات، باب فضل التسبيح (6405) ومسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء (2691)

ـ قوله تعالى{ وَجَنَّةٍ }هي دار النعيم التي أعدها الله للمتقين .

ـ قوله تعالى (عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ)عرضها السماوات والأرض تشبيه، لكن يسميه أهل البلاغة تشبيه بليغ.

                         ومَن يستطيع أن يقدر عرض السماء والأرض؟

فلن نستطيع أن ندرك عرض السماوات والأرض، والجنة عرضها كعرض السماء والأرض.

ـ قوله تعالى{ أُعِدَّتْ } الإعداد التهيئة للشيء.

ـ قوله تعالى { لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ } وبكل ما أوجب الله الإيمان به، من الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.

ـ قوله تعالى { وَرُسُلِهِ } يشمل جميع الرسل الذين أولهم نوح وآخرهم محمد عليهم الصلاة والسلام .

ـ قوله تعالى { ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ } فضل الله أثيبوا بهذه الجنات.

ـ قوله تعالى { يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ } من كان أهلاً للفضل آتاه الله الفضل، ومن لم يكن أهلاً له لم يؤته.

ـ قوله تعالى { وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } صاحب الفضل العظيم فلا أحد أعظم منة من الله تعالى أوجدك من العدم، وأعدك وأمدك بالنعم.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/306ـ307ـ308)

صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  جزء الرابع والعشرون سورة الزمر (3) قــال تـعــالـى ﴿ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَ...