قـــال تــعــالــى
(آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ * وَما لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ * وَما لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ)سورة الحديد (7ـ 11)
1) الأحكام الشرعية في الآيات.
* الأمر بوجوب الإيمان بالله ورسوله وبالإنفاق في سبيله.
في قوله تعالى (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ * وَما لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) سورة الحديد (7ـ 9)
قال ابن كثير:
أمر تبارك وتعالى بِالْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، وَالدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ عَلَى ذَلِكَ وَالِاسْتِمْرَارِ، وَحَثَّ عَلَى الْإِنْفَاقِ.(تفسير ابن كثير 4/389)
قال الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى{ آمِنُوا } الخطاب للعباد كلهم.
ـ قوله تعالى { بِاللَّهِ } رب العالمين
ـ قوله تعالى { وَرَسُولِهِ } محمد عليه الصلاة والسلام، أرسله الله تعالى إلى جميع الخلق والإنس والجن. وختم به .
ـ قوله تعالى { وَأَنْفِقُوا } الإنفاق البذل.
ـ قوله تعالى { مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ } يعني المال؛ لأن الله جعلنا مستخلفين في المال فهو الذي ملكنا إياه.
ـ قوله تعالى { فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ } آمنوا بالله ورسوله.
ـ قوله تعالى { وَأَنْفَقُوا } مما جعلهم مستخلفين فيه.
ـ قوله تعالى { لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ}
يأمرنا بالعمل ونعمل به ويأجرنا عليه أجراً كثيراً، أجراً عظيماً، منة عظيمة كبيرة.
ـ قوله تعالى { وَما لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } يعني أي شيء يمنعكم من الإيمان بالله، وقد تمت أسباب وجوب الإيمان به
لقوله تعالى { وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ } هناك سببان للإيمان:
الأول: دعوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إليه.
والثاني: الميثاق الذي أخذه الله علينا، وذلك بما أعطانا الله من الفطرة والعقل والفهم الذي ندرك به ما ينفعنا ويضرنا.
هذا هو الصحيح في معنى الميثاق.
ـ قوله تعالى (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } الزموا الإيمان بالله ورسوله.
ـ قوله تعالى { هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ } علامات دالة على صدقه، وأن ما جاء به هو الحق.
ـ قوله تعالى { بَيِّناتٍ } ظاهرات بما اشتملت عليه من القصص النافعة، والأخبار الصادقة، والأحكام العادلة، والفصاحة التامة.
ـ قوله تعالى { لِيُخْرِجَكُمْ }
ـ يحتمل أن يعود إلى الله عز وجل أي ليخرجكم الله تعالى بهذه الآيات من الظلمات إلى النور.
ـ ويحتمل أن يكون المراد بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم أي يكون سبباً في إخراجكم من الظلمات إلى النور. وكلا المعنيين حق.
ـ قوله تعالى (مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ) والمراد بالظلمات: ظلمات الجهل، وظلمات الشرك، وظلمات العدوان، وظلمات العصيان، وكل ما خالف الحق فهو ظلمة.
ـ قوله تعالى { وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ } الرأفة أرق الرحمة، والرحمة أعم، فهو رؤوف رحيم. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/292ـ 293ـ 294)
* فضل الإنفاق في سبيل الله قبل الفتح:
في قوله تعالى (وَما لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) سورة الحديد(10)
قال الشيخ محمد العثيمين:
ـ قوله تعالى { وَما لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا } أي شيء يمنعهم، والإنفاق في سبيل الله يشمل كل شيء أمر الله بالإنفاق فيه.
ـ قوله تعالى { فِي سَبِيلِ اللَّهِ } هنا عامة، وعليه يدخل في ذلك الإنفاق (على النفس، و الزوجة، والأهل، والفقراء واليتامى، وفي الجهاد في سبيل الله)
فكل ما أمر الله تعالى بالإنفاق فيه فهو داخل في هذه الآية حتى إنفاقك على نفسك صدقة.
لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه :
«واعلم أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها» (أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب رقى النبي ? سعد بن خولة (1295) ومسلم، كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث (1628) ..
ـ قول تعالى {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ } دين الإسلام دين العدل في العمل والجزاء.
والمراد بالفتح :هنا صلح الحديبية الذي جرى بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبين قريش، وذلك في ذي القعدة من عام ستة من الهجرة، وسمي فتحاً، لأنه صار فيه توسيع للمسلمين وتوسيع أيضاً للمشركين. واختلط الناس بعضهم ببعض، وأمن الناس بعضهم بعض
حتى يسر الله أن نقضت قريش العهد، فكان من بعد ذلك الفتح الأعظم، فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة في رمضان .
ـ قول تعالى { أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا } وذلك لأن الأولين أنفقوا وقاتلوا وسبقوا إلى الإسلام وكان الإسلام في حاجة لهم ولإنفاقهم، فكانوا أفضل ممن أنفق من بعد وقاتل، والله سبحانه وتعالى يجزي بالعدل بين عباده.
ـ قول تعالى { وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى } أي: كل من الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، والذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، وعدهم الله الحسنى، يعني الجنة.
ـ قول تعالى { وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } أي: عليم ببواطن أموركم كظواهركم لا يخفى عليه.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/294ـ295ـ296)
الحث على الإنفاق في سبيل الله تعالى :
في قوله تعالى (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ)سورة الحديد (11)
قال الشيخ محمد العثيمين:
ـ قوله تعالى (مَنْ ذَا الَّذِي ) أين الذين يقرضون الله قرضاً حسناً، أي: ينفقون فيما أمرهم بالإنفاق فيه.
ـ قوله تعالى (يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً ) يعني لا يرى سوى الله .
ـ قوله تعالى (حَسَناً } لأن العمل الحسن ما كان موافقاً للشريعة الإسلامية.
وأشار الله في هذا إلى شيئين :
1ـ أن يكون مخلصاّ لله.
2ـ وأن يكون متابعاّ فيه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام, هما شرطان في كل عمل .
ـ قوله تعالى { فَيُضاعِفَهُ لَهُ} والمضاعفة هنا الزيادة، فأنت إذا أنفقت درهماً فجزاؤه سبعمائة درهم، ثواباً من عند الله . وقد بين الله قدرها
في قوله تعالى (مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنۢبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِى كُلِّ سُنۢبُلَةٍۢ مِّاْئَةُ حَبَّةٍۢ ۗ وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُ ۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ)البقرة :261)
ـ قوله تعالى { وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } حسن واسع، وذلك فيما يجده في الجنة، ففيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 296ـ297)
2) الأمثال القرآنية :
* شبه الله الإنفاق في سبيله بالقرض:
في قوله تعالى (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ)الحديد (11)
وصف الله الإنفاق في سبيله بالقرض تشبيهاّ بالقرض الذي يقرضه الإنسان غيره ,لأنك إذا أقرضت غيرك فإنك واثق من أنه سيرده عليك ,هكذا أيضاّ العمل الصالح سيرد على الإنسان بلا شك.
فإن قال قائل: لماذا عبر الله تعالى بالقرض وهو الغني سبحانه وتعالى؟
فالجواب: يقول هذا ليبين أن أجرهم مضمون، كما أن القرض مضمون، وسيرد عليه الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة،
لكن كيف تكون الواحدة بعشرة وهي ربا في القرض، كيف يكون هذا؟
الجواب:
أولاً: لا ربا بين العبد وبين ربه.
ثانياً: القرض إذا أعطاك المقترض شيئاً بدون شرط فهو حلال.
لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استقرض بكراً، والبكر يعني بعيراً صغيراً، وردَّ خيراً منه
وقال: «خيركم، أحسنكم قضاء» (أخرجه مسلم، كتاب المساقاة، باب من استسلف شيئاً فقضى خيراً منه (رقم 1601).(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 296ـ297ـ 300ـ 301)
صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحيه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق