جزء الذاريات سورة القمر (3)
قــال تــعــالــى
(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ * وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ * وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ * إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ)(سورة القمر (47ـ 55)
1/ الوعد والوعيد في الآيات :
* الوعيد في الآية :
في قوله تعالى (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ )سورة القمر (47ـ 48 )
* قال ابن كثير :
ـ قوله تعالى (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) يُخْبِرُنَا تَعَالَى عَنِ الْمُجْرِمِينَ أَنَّهُمْ فِي ضَلَالٍ عَنِ الْحَقِّ وَسُعُرٍ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الشُّكُوكِ وَالِاضْطِرَابِ فِي الْآرَاءِ. (تفسير ابن كثير 4/339)
* قال الشيخ محمد العثيمين:
ـ قوله تعالى (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ) الضلال في الدنيا لا يهتدون ,والسعر في الآخرة.
ـ قوله تعالى (وَسُعُرٍ) أي : في نار شديدة .
ـ قال تعالى(يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ )
يسحبون سحباً كما تسحب الجيفة، ليبعد بها عن المنازل، وليسوا يسحبون على ظهورهم ولكن على وجوههم ,الساحب هم الملائكة الموكلين بهم، لأن للنار ملائكة موكلين بها.
ـ قوله تعالى{ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ } انظر إلى الإذلال: جسدي وقلبي، الجسدي هو أنهم يسحبون على وجوههم، والقلبي أنهم يوبخون.
ـ قوله تعالى (مَسَّ ) أي: صلاها .
ـ قوله تعالى (سَقَرَ ) وسقر من أسماء النار .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 254)
2)مسائل العقيدة في الآيات.
* من أركان الإيمان (الإيمان بالقدر خيره وشره)
في قوله تعالى { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ )سورة القمر(49)
· عقيدة أهل السنة والجماعة في القضاء والقدر .
· تعريف القضاء والقدر .
القدر. لغة :- بمعنى التقدير كما قال تعالى (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) سورة القمر ( 49 )
التقدير : هو ما قدره الله تعالى في الأزل ما يكون في خلقه.
القضاء. لغة – الحكم . والقضاء : هو ما قضى به الله سبحانه وتعالى في خلقه من إيجاد أو إعدام أو تغيير .
* الفرق بين القضاء والقدر .
1- القدر أعم والقضاء أخص .
2- القدر سابق والقضاء لاحق .
3- القدر فيه عدة صفات لله ( العلم – الكتابة ، المشيئة ، الخلق ) أما القضاء يدل على ( خلقه ومشيئة .
* الإيمان بالقدر .
الإيمان بالقدر واجب وهو أحد أركان الإيمان الستة .
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (وفي حديث جبريل المشهور قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ، قَالَ: ( أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ) (رواه مسلم / كتاب الإيمان )
* فوائد الإيمان بالقدر:
قال الشيخ محمد العثيمين رحمه الله.
1- أنه من تمام الإيمان .
2- من تمام الإيمان بالربوبية ، لأن قدر الله من أفعاله .
3- رد الإنسان أموره إلى ربه لأنه علم أن كل شيء بقضائه وقدره .
4- هون المصائب على العبد ، لأن الإنسان إذا علم أنها من عند الله ، هانت عليه المصيبة ، كما قال تعالى : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) سورة التغابن : (11)
* قال علقمه :( هو الرجل تصيبه المصيبة ، فيعلم أنها من عند الله ، فيرضى ويسلم ) .
5- يعرف الإنسان به حكمة الله عز وجل ، لأنه إذا نظر في هذا الكون وما يحدث فيه من تغييرات ، عرف بهذا حكمة الله عز وجل ، بخلاف من نسي القضاء والقدر فإنه لا يستفيد هذه الفائدة . (شرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد العثيمين رحمه الله صــ541 – 542)
· مراتب القدر.
الدرجة الأولى : ما يسبق المقدر وهي تضم مرتبتين وهما:
1- مرتبة العلم: الإيمان بأن الله عالم كل ما يكون جملة وتفصيلاً بعلم سابق : لقوله تعالى { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ * إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَابٍ * إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) سورة الحج : ( 70 )
2- مرتبة الكتابة : أن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء .
لقوله تعالى : { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا } سورة الحديد : (22)
حديث (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة) رواه مسلم / كتاب القدر.
*الدرجة الثانية: ما يكون حال وقوع المقدر وهي تضم مرتبتين وهما :
3ـ مرتبه المشيئة : إنه لا يكون شيء في السموات والأرض إلا بإرادة الله ومشيئة , ما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن. لقال تعالي (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) سورة الأنعام ( 125 )
4ـ مرتبه الخلق إن كل شيء في السموات و الأرض مخلوق لله تعالى لا خالق غيره ولا رب سواه 0لقوله تعالى (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) سورة الزمر ( 62 )
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ ) لما ذكر عذاب أهل النار ثم سيذكر نعيم أهل الجنة، ذكر بينهما أن هذا الخلق وتفاوته بقدر الله عز وجل فكل شيء مخلوق فهو بقدر، كل ذرة في رملة فهي مخلوقة بقدر، وكل نقطة تقع على الأرض من السحاب فهي مخلوقة بقدر.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
« كلُّ شيءٍ بقدَرٍ, حتَّى العجْزُ والكيْسُ » (أخرجه مسلم، كتاب القدر، باب كل شيء بقدر (2655) ..
العجز: يعني تكاسل الإنسان.
والكيس: يعني حزم الإنسان ونشاطه في طلب ما ينفعه والبعد عما يضره.
وفي هذه الآية الكريمة :
دليل على أن الإنسان مخلوق لله تعالى، وأن أفعاله مخلوقة لله، وأن كل شيء قد قدر وانتهى، وإذا كان كذلك فيلجأ الإنسان إذا أصابته ضراء إلى الله الخالق، وإذا أراد السراء أيضاً يلتجئ إلى الله الخالق.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/254)
* قال ابن كثير :
ـ قوله تعالى { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ )أَيْ قَدَّرَ قَدَرًا وَهَدَى الْخَلَائِقَ إِلَيْهِ.
لِهَذَا يَسْتَدِلُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
أَئِمَّةُ السُّنَّةِ عَلَى إِثْبَاتِ قَدَرِ اللَّهِ السَّابِقِ لِخَلْقِهِ، وَهُوَ عِلْمُهُ الْأَشْيَاءَ قَبْلَ كَوْنِهَا وَكِتَابَتُهُ لَهَا قَبْلَ بُرْئِهَا.
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ :
«اسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ فَإِنْ أَصَابَكَ أَمْرٌ فَقُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، وَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فعلت كذا لَكَانَ كَذَا فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» « أخرجه مسلم في القدر حديث 34. وابن ماجة في المقدمة باب 10.
* مشيئة الله في خلقه:
في قوله تعالى (وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ * وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ)سورة القمر (50ـ 53)
* قال ابن كثير :
هذا إِخْبَارٌ عَنْ نُفُوذِ مَشِيئَتِهِ فِي خَلْقِهِ، كَمَا أخبرنا بِنُفُوذِ قَدَرِهِ فِيهِمْ
ـ قَالَ تعالى ( وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ) أَيْ إِنَّمَا نَأْمُرُ بِالشَّيْءِ مَرَّةً وَاحِدَةً لَا نَحْتَاجُ إِلَى تَأْكِيدٍ بِثَانِيَةٍ، فَيَكُونُ ذَلِكَ الَّذِي نَأْمُرُ بِهِ حَاصِلًا.
ـ قَالَ تعالى (كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ) مَوْجُودًا كَلَمْحِ الْبَصَرِ، لَا يَتَأَخَّرُ طَرْفَةَ عَيْنٍ.
ـ قوله تعالى (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ) يَعْنِي أَمْثَالَكُمْ وَسَلَفَكُمْ مِنَ الأمم السالفة الْمُكَذِّبِينَ بِالرُّسُلِ.
ـ قوله تعالى ( فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أَيْ فَهَلْ مِنْ مُتَّعِظٍ بِمَا أَخْزَى اللَّهُ أُولَئِكَ وَقَدَّرَ لهم من العذاب.(تفسير ابن كثير 4/341ـ 342)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) أي في الكتب.
وكتابة الأعمال كتابة سابقة، وكتابة لاحقة.
ـ الكتابة السابقة : كتابة على أن هذا سيفعل كذا، وهذه الكتابة لا يترتب عليها ثواب ولا عقاب، لأن المرء لم يكلف بها بعد.
معناها أن الله سبحانه وتعالى كتب في اللوح المحفوظ كل شيء .
ـ كتابة لاحقة : وهي كتابة أنه فعل، فإذا فعل الإنسان حسنة كتبها الله، وإذا فعل سيئة كتبها الله، وهذه الكتابة اللاحقة هي التي يترتب عليها الثواب والعقاب
فهي أن الله سبحانه وتعالى إذا عمل الإنسان عملاً كتبه.
قال الله تعالى { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ} سورة الانفطار (10ـ 11)
وهذه الكتابة هي التي يترتب عليها الثواب والعقاب.
ومعنى الآية: أن كل شيء يفعله الإنسان فإنه مكتوب، فلا تظن أنه يضيع عليك شيء أبداً.
ـ قوله تعالى { وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ } كل صغير وكبير مما يحدث في هذا الكون من المخلوقات، وأوصافها، وأعمالها.
ـ قوله تعالى { مُسْتَطَرٌ } أي: مسطر في الكتاب العزيز، اللوح المحفوظ، كل صغير وكبير حتى الشوكة يشاكها الإنسان تكتب، حتى ما يزن مثقال ذرة من الأعمال يكتب، كل صغير وكبير، وإذا آمنت بذلك ويجب عليك أن تؤمن به، فإنه يجب عليك الحذر من المخالفة، فإياك أن تخالف بقولك، أو فعلك، أو تركك، لأن كل شيء مكتوب.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/255ـ256)
3) الوعد والوعيد في الآيات .
* الوعد في الآية :
في قوله تعالى (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ* فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ)سورة القمر (54ـ 55)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
ـ قوله تعالى (إِنَّ الْمُتَّقِينَ ) فاترك المنهي عنه، وافعل المأمور به.
ـ قوله تعالى { فِي جَنَّاتٍ } الجنات جمع جنة، هي الدار التي أعدها الله لأوليائه، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، سكانها خير البشر، النبيون، والصديقون، والشهداء والصالحون، حتى تحفز النفوس على العمل لها.
ـ قوله تعالى {وَنَهَرٍ} يعني بذلك الأنهار.
ـ قوله تعالى { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ } يعني في مقعد صدق ليس فيه كذب لا في الخبر عنه ولا في وصفه، كله حق .
ـ قوله تعالى { عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ } وهو الله جل وعلا، عند مليك مقتدر، يتنعمون بلذة النظر إلى الله عز وجل وهو أنعم ما يكون لأهل الجنة
ثم ينظرون إلى الله فيزدادون حسناً إلى حسنهم، ولهذا إذا رجعوا إلى أهلهم، قال لهم أهلوهم: إنكم ازددتم بعدنا حسناً بالنظر إلى وجه الله تبارك وتعالى. (أخرجه مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في سوق الجنة وما ينالون فيها من النعيم الجمال (رقم 2833)(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 257)
تم بحمد الله تفسير سورة القمر
صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق